وسمع الشرطي يسأل بصوته الغليظ: هل وجدت بها مسروقات يا صاحب السعادة؟
فرد محتويات الحافظة إلى موضعها، وأعادها إلى صاحبها وهو يقول بلسانه المتلعثم: كلا، ما بها يخصه دون غيره.
وكان السائق على بعد قريب من مولاه، فاستطاعت عيناه الحادتان أن تريا، فارتد إلى حالة جنونية من الغضب والغيظ، وقال لسيده بصوت متهدج: إن عدم العثور على شيء معه لا يبرئه بحال، وهو ولا شك قد حاول السرقة فلم يفلح.
فقال الباشا: سأتحقق مما إذا كان سكران.
ومال على فم الشاب يشمه ثم قال: الآن حصحص الحق .. هذا الشاب سكران بغير شك.
فكاد السائق يجن، وقال بغضب: العفو يا صاحب السعادة، العادة أن الإنسان إذا كان شاربا لا يشم الخمر في أفواه الآخرين!
فانتفخ الباشا غضبا، وفتل شاربه بغطرسة، وصاح بالسائق: أنا شارب يا كلب! - العفو يا صاحب السعادة .. أنا أعني ... - لا أقبل منك كلاما يا سفيه، لقد قضت سفاهتك على أسباب رزقك في هذا البيت. يا عسكري، دع هذا الشاب لي الآن وخذ هذا الوقح خارجا.
وصدع الشرطي بما أمر، وخلا المكان إلا من الباشا وزوجته والشاب.
قال الباشا للشاب بلهجة تنم عن التهديد والوعيد: ألا تعرف من أنا؟ - أعرف طبعا يا صاحب السعادة. - فكيف إذن تسول لك نفسك انتهاك حرمة بيتي؟ - أنا غايتي شريفة يا صاحب السعادة. - وهل يوجد شرف بعد منتصف الليل؟
وسألته السيدة: ما صناعتك؟ - موظف. - هذا يعني أنك صعلوك. - صعلوك! - نعم .. إن الكاتب الحقير الذي لا يجد له وظيفة تشرفه يطبع على بطاقته كلمة موظف، وهي لا تعني في الواقع إلا أنه كاتب حقير .. أليس كذلك؟ - ...؟ - في أي وزارة؟ - المساحة. - ما شاء الله؟ .. وما هي مؤهلاتك؟ - ...! - ما هي مؤهلاتك؟ أجبني! - البكالوريا. - يا خبر أسود .. وماهيتك؟ - ...! - وماهيتك .. أتوسل إليك أن تجيبني؟ - ستة جنيهات! - عال .. ولماذا تحب ابنة الباشا؟ - سيدتي ... - لماذا لم تحب ابنة كلب من طبقتك.
Página desconocida