تملكه الفزع. ماذا فعل بنفسه؟ أي طلاء سعادة خدعه؟ بأي ثمن عليه أن يقاوم. لا جدوى من التفكير في الطلاق لأنه يعني الدخول في معركة حامية ربما انتهت بالقضاء عليه. وسألها: كيف تحصلين عليه؟
فلم تجب. فقال: تذهبين إلى الحثالة القديمة المشبوهة وفي ذلك ما فيه من الخطر البين .. - لا تبالغ .. - قدرية، فكري، إن لم تغيري حياتك حل الخراب بنا ..
وشحذ إرادته للدفاع عن سمعته ومستقبله. ومن خلال ما يشبه المعركة حملها إلى مصحة نفسية وعصبية بحلوان فمكثت بها أشهرا حتى شفيت من الإدمان. خيل إليه أنها عادت امرأة جديدة. ولم تجد من سلوى في حياتها إلا الطعام فأقبلت عليه بشراهة وإفراط، وسرعان ما ظهر أثر ذلك في الدهن الذي اكتنز به جسدها فزاد بدانة على بدانة حتى تبدت في صورة تدعو إلى الرثاء والسخرية معا. ولم يفارقه القلق من ناحيتها فكان يعمل بعين ويراقبها بعين، ويقول بحزن: فقدت الميزة الوحيدة التي كنت أستمتع بها في الليالي البهيمية، وها هي تتعرى كاشفة عن بدائية تعيسة بلا خلق ولا دين ولا عقل ولا ذوق ..
وتذكر الآراء التي يعلل بها بعض الزملاء - المولعين بالسياسة والأفكار - هذه الظاهرة وأمثالها من خلال حملاتهم على المجتمع والطبقات ولكنه تذكر أيضا «حالته»، ألم ينشأ مثل قدرية فقيرا وعاجزا ومحروما من كل سلاح؟ بلى، ولكنه اكتشف في الوقت المناسب السر المقدس في ذاته الضعيفة، كما اكتشف حكمة الله الخالدة، فشق طريقه بجلال وعذاب جديرين بالإنسان مخلوق الله العظيم؛ ولذلك لم يكد يعطف عليها، ورجع يتساءل: ماذا فعلت بنفسي؟
أجل، ما معنى حياة زوجية بدائية بلا حب حقيقي أو علاقة روحية أو أمل في ذرية أو مجرد زمالة إنسانية؟! على أنه قال لنفسه محذرا: هون من أحزانك، لم تعد تتحمل كالزمان الأول، أجل يوجد تغير جديد، خفيف كالنسيم ولكنه ماكر كالثعلب، إنه السن، وإنه الزمن ..
وتفكر قليلا ثم قال: بفضله نحقق كل شيء، وبسببه نخسر كل شيء، ولا يبقى إلا وجه ذي الجلال !
34
كالعادة نسي النجاح تماما. انجابت الأفراح وتراكمت سحب الهموم. أصبحت رياسة الإدارة عادة روتينية، عليه أن يتجاوزها، وأن يتجاوزها بسرعة تناسب القليل الباقي من العمر، وإلا انقضت مدة الخدمة وهو واقف كالمتسول أمام باب الحجرة الزرقاء. والطموح عنيف والزواج لم يعد بالمرفأ المواسي. - يا ربي إني أحاول هدايتها فهبني من لدنك قوة.
ولكن جهده يتبدد هباء، ودهمها بتعاسة لم تجر لها في خاطر. في الماضي كانت تعيش التعاسة ولا تكاد تشعر بها، وتجد في الخمر والأفيون ملاذا طيبا، أما اليوم فهي تتصدى للخواء في يقظة بغيضة بعينين محملقتين مذعورتين بلا عزاء ولا حب ولا ذرية. قال: كانت في الدرب عزاء لي ولذة أما في هذا البيت المريح فهي الجحيم.
وقال أيضا: لو ذهب كل منا إلى حاله لربما حدثت معجزة سعادة، أين وحدتي القديمة أين؟!
Página desconocida