وما أكثر ما كان يصلني من أفكار واقتراحات! يضرب أحدهم كتفي بشدة ويقول: «وجدت لك كتابا يصلح»، ويأخذني آخر بالحضن ويقول: «خلاص، عرفت حكاية السلطان»، ويحكي، وإذا به سلطان غير السلطان، وكنت أتوقع أي شيء إلا أن أفتح صندوق الخطابات مرة فأجد خطابا راقدا في قاعه وعليه طابع بريد أجنبي.
كان الخطاب من مدام انترناسيونال.
وما كدت أفتحه حتى تساقط منه شيء، ولكني شغلت عنه بقراءة الخطاب، ولم أكن أتوقع أن يكون لها مثل ذلك الخط الجميل، ولم لا أقول: إني ما كدت أعرف أن الخطاب منها حتى وجدتها تلوح في خاطري، وأحس أني حقيقة افتقدتها، أحيانا يبدو الشخص المتعب جذابا من بعيد.
وعلى عكس طريقتها في الكلام كتلك الطريقة التي تظن معها أنها لا تتحدث، ولكنها تمثل، كان أسلوبها في الكتابة رزينا، حتى كدت أظن أنها أصبحت أرملة، والأغرب من هذا كانت تتحدث عن السلطان!
قالت إنها منذ أن تحركت بها الباخرة وغادرت قنال السويس، وهي لا تفكر إلا في مشكلة السلطان، وقد أحست - وبنص كلامها - لأول مرة أنها وجدت شيئا يستحق أن تفكر فيه، ولأسخر منها ما شئت، ولكنها فعلت، والنتيجة مرفقة بالخطاب.
وتأملت ما سقط من يدي حين فتحت المظروف، فإذا به صفحات من كتاب مطبوع.
وعدت أكمل قراءة الخطاب الغريب:
لا تسل كيف عثرت على هذه النتيجة، فمنذ عودتي إلى باريس وأنا وصديقاتي لم نسترح لحظة واحدة، ولم يكن لنا هم طول الوقت إلا البحث في مشكلة السلطان، وكنت أريد أن أحدثك بالتفصيل عن الجهود الكبيرة التي بذلناها لولا أني أوثر أن أخبرك بأهم شيء، ففي الشهر الماضي صدر عن إحدى دور النشر هنا كتاب يعتبر وثيقة تاريخية مهمة، وهو عبارة عن مجموعة الخطابات التي تلقاها المسيو جي دي روان من صديقه روجيه كليمان، وروجيه كليمان كان أحد علماء الآثار الذين رافقوا حملة نابليون على مصر، ويقال إنه لم يعد وإنه استمصر وارتدى الملابس الوطنية وأقام هناك، وها أنا ذا أرسل لك مع خطابي هذا بعض صفحات منتزعة من الكتاب وهي تحتوي على الخطاب الأخير، ولعلمك أن الذي قام على تحقيق هذا الكتاب ومراجعته وتدوين الملاحظات عليه هو الدكتور س. مارتان عضو الأكاديمي فرانسيز، وبهذا تستطيع أن تطمئن تماما إلى سلامة كل ما ورد فيه، وأنا لا أعرف إذا كان ما جاء في الخطاب الذي أرسله العالم الفرنسي ما يكفي لحل لغز السلطان أم لا، ولكن لا أريد أن أمنعك من قراءة الشيء الذي انتظرته طويلا، وأظنك في شغف شديد للاطلاع عليه.
أرجوك، اكتب لي حالا وأخبرني بكل شيء.
عزيزتك
Página desconocida