Conversaciones de mañana y tarde
حديث الصباح والمساء
Géneros
فاستجاب لصوتها استجابة ملهوف فقالت: عليك أن ترى هدية بنت أمانة بنت خالتك مطرية.
هي صغرى ذرية أمانة وكانت قد رجعت توا من الخليج بعد اشتغالها بالتدريس هناك عامين واشترت شقة في منشية البكري. وزار بصحبة سميرة بيت عبد الرحمن أمين وأمانة في الأزهر ورأى هدية، مدرسة جميلة في ريعان الشباب تمت بجمالها إلى جمال جدتها مطرية قمة جمال الأسرة. وخطبتها سميرة وزفت إليه واستقر بها في شقتها بمنشية البكري، وحظي سليم بزوجة طيبة وحياة عملية آخذة في الازدهار، وآنس في حكم السادات مودة ورحمة، ولم يقلقه إلا التيارات الدينية الجديدة التي انبثقت من الإخوان، ثم شقت لنفسها مجاري جديدة محفوفة بالتطرف والغموض. وكان يقول لأخيه حكيم: ثمة صحوة إسلامية شاملة لا شك فيها، ولكنها بعثت فيما بعثت خلافات قديمة تستنفد قواها فيما لا يجدي.
ولكن حكيم كان يهيم في واد آخر، وكان رغم عواطفه الشخصية يعتبر ما حل بالنظام في 5 يونيو كارثة محققة، وأن الوطن يمضي إلى مجهول. ومضت الأيام فتلقى سليم من ربه عهد الأبوة والوفرة في الرزق، والرضوان يوم النصر، ولا شيء من ذلك كله يزحم في نفسه إيمانه الراسخ وحلمه الأبدي بالمدينة الإلهية الفاضلة، وجرف معه في تياره العارم هدية حتى قالت: كنت ضالة فهديت والحمد لله.
وأصبح سليم من كتاب الدعوة في مجلة الإخوان، ودهمه ما دهم زمرته من غضب لمغامرة السادات الكبرى في سبيل السلام، وارتد مرة أخرى إلى عنفوان السخط والتمرد، حتى صدرت قرارات سبتمبر 1981، ورمي به في السجن من جديد. ولما وقع حادث المنصة قال: عقاب إلهي لحكم كافر.
وتنفس الحرية في جو جديد، ولكنه كان قد فقد الثقة في كل شيء إلا حلمه، فمن أجله يعمل ومن أجله يعيش.
سميرة عمرو عزيز
هي الرابعة في ذرية عمرو والثانية في الجمال بعد مطرية ، ومن خلال لعبها فوق السطح وتحت شجرة البلخ في الميدان، أو دراستها في الكتاب تبلورت لها شخصية رزينة وطبع هادئ وذكاء وقاد. نادرا ما التحمت في «نقار» مع إخوتها، وعند احتدام العنف كانت تنزوي في ركن قانعة بمشاهدة ما يجري مما ستدعى للشهادة عليه فيما بعد. ورغم أنها فاقت أمها بجمالها، إلا أنها كانت تمت إليها في الهيئة العامة - عدا الطول - الأمر الذي جعل راضية تخصها بإعجاب شديد. وبخلاف أخواتها حفظت المبادئ التي لقنتها في الكتاب ونمتها بالاجتهاد، فكانت الوحيدة بينهن التي تواظب على قراءة الصحف والمجلات في الكبر ... وفي زياراتها لآل المراكيبي بسراي ميدان خيرت أو آل داود بالعباسية الشرقية كانت تسجل في وعيها ما تراه من أناقة الترتيب وآداب المائدة وإيقاع الحديث وجمال الموضة وتحاول اكتسابه والتطبع به ما وسعتها الحيلة وسمحت الظروف، وكان محمود بك عطا يقول بمزاحه الخشن: أنتم أسرة بلدي، ولكن فيكم بنت من بنات الفرنجة!
وأدركتها المراهقة ولكنها لم تعاشر طويلا أحلام العواطف الدفينة، إذ سرعان ما تقدم لخطبتها صديق لأخيها عامر يدعى حسين قابيل صاحب دكان تحف في خان الخليلي. زامل أخاها حتى البكالوريا ثم خلف أباه في الدكان عقب وفاته، وكان رغم شبابه ذا سمات فحلة وثبت به إلى الرجولة قبل الأوان، ضخم الجسم، كبير الرأس، حاد البصر. وعلى خلق كريم وثراء لا بأس به، وبخلاف صدرية ومطرية زفت سميرة إلى زوجها في حي الظاهر، بشقة في عمارة جديدة بشارع ابن خلدون، وجاء ذلك مناسبا لها تماما، فصادفت كثرة من الأسر اليهودية، وتعلمت العزف على البيانو، وربت كلبة لولي كانت تصحبها في نزهاتها بحديقة الظاهر بيبرس. ولما علم عمرو بذلك قال محتجا ومسلما بالأمر الواقع في آن ... ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وكان حسين قابيل ميسور الحال وكريما، فتفجرت ينابيع الحياة الرغيدة في مسكنه، وأشبعت سميرة هواها الكامن إلى الموضة والمعيشة الأنيقة، وضاعف من سرورها ما طبع عليه زوجها من جميل المعاشرة وأدب المعاملة، وأمام الآخرين كان يخاطبها بقوله: «يا سميرة هانم.» وتناديه بقولها: «يا حسين بك.» وكان الرجل يجمع في قلبه بين الوطنية الصادقة والتدين العميق، وينشرهما فيمن حوله؛ لذلك نفذت ثورة 1919 إلى عمق قلب سميرة لم تصل إلى مثله في قلب أي من أخواتها، كذلك كان تدينها أسلم من الشوائب إذ كانت أقل أخواتها تأثرا بغيبيات راضية. وقد أنجبت له بدرية وصفاء وحكيم وفاروق وهنومة وسليم، وجميعهم حظوا بنصيب موفور من الجمال والذكاء، وتعاون الوالدان على تربيتهم تربية سليمة في كنف الدين والمبادئ. ومن أول يوم قالت له: سنعلم البنات كالصبيان.
فوافق بحماس، واستطاعت سميرة بتألقها أن تحرك شيئا من الغيرة عند آل المراكيبي وآل داود أنفسهم، غير أن حياتها لم تخل من أحزان كثيرة ففقدت بدرية وحكيم وأسرته، وانشق قلبها قلقا على سليم في شتى أطوار حياته. ومن العجيب أنها كانت تلقى المصائب بإرادة مؤمنة صابرة قوية، قادرة على تلقي المصائب وهضمها، ومعايشة الحزن الباقي بحكمة جعلتها غرضا سهلا للاتهام بالبرود. وتقول لها راضية: إنك لا تؤمنين كما يجب بالحجاب والرقى والبخور والأضرحة، ولا علم إلا علم الأولين.
Página desconocida