Conversaciones de mañana y tarde
حديث الصباح والمساء
Géneros
وضمن لهجته كل المعاني المطلوبة ولكنها قالت بحدة: لن أذهب إلى ذلك الميدان المليء بالحشرات، ولا أحب أن يجيئني أحد منه.
ولم يغضب ولم ينبئ وجهه عن شيء، وسرعان ما انقطعت العلاقة بينه وبين أهله. واندمج في أهلها كظل لها ونسي أصله. غير أن طاعته العمياء لم تكفل له السلامة. فعلى أثر سهرة في شقته شهدتها حماته وأختها وبعض الأقارب، قالت له لما انفردا بنفسيهما: لم تعجبني، غلب عليك الصمت، وبدرت كلماتك القليلة بلا معنى ...!
فقال معتذرا وبأسلوب غاية في الأدب والرقة: الكلام الكثير يوجع رأسي، ولم يجر ذكر لأي موضوع هام.
فصرخت: إن لم يكن الكلام في الهندسة يصبح لغوا؟
فلاطفها بابتسامة وإذا بها تثور وتهدر بأقسى الألفاظ ثم تقبض على فازة ثمينة وتقذف بها الجدار فتتحطم وينهال حطامها على غطاء الكنبة المطرز بالكانافاه. ونظر إليها باسما مشفقا ثم قال بحنان: لا شيء في الوجود يستحق أن تجشمي نفسك من أجله هذا الغضب كله ... ولكن الشقة شهدت أيضا العناق والأبوة والأمومة، وقد أنجبت له حسني وأدهم، وعلا مركزه بثبات وجدارة في الشركة، وزاد اعتماد محمد بك سلامة عليه مع الأيام حتى حل محله - بعد وفاته - نيابة عن سميحة، وشارك في رأس المال بمدخراته، وازدهرت الشركة في عهده أكثر من ازدهارها الأول، وشيد حازم فيلا في الدقي انتقلت الأسرة إليها، وقد هضم نزواتها جميعا ببطولة خارقة، ولكن بعض النزوات بدت عسيرة في هضمها. مثال ذلك أن محمد بك سلامة كان عضوا في الهيئة الوفدية، على حين أن حصيلة حازم من السياسة كانت صفرا، ولكنه بإزاء حماسها أعلن في البيت على الأقل وفديته. وهي لم تقنع بالإعلان البارد، فرجع يوما إلى شقته فرأى صورة النحاس معلقة مكان صورة سرور أفندي أبيه. نظر واجما دون أن يجرؤ على إبداء أي ملاحظة فقالت: إني أتشاءم من صور الأموات، وهذه صورة زعيم الأمة ... ولم يبد أي ملاحظة حتى بعد أن رحل محمد بك سلامة والنحاس وظلت صورتاهما بمكانهما! ويوم انتقلت الأسرة إلى الفيلا الجديدة ضحكت ضحكتها العالية وقالت: احمد ربنا يا غبي، رفعناك من الحضيض إلى القمة.
فقال باستسلام: الحمد لله على كل شيء.
فقالت مقطبة: ولا تنس نصيبي من الشكر.
فقال ببروده المعهود: أنت الخير والبركة.
ولما قامت ثورة يوليو خاف أن تكون وفديته المزعومة قد جاوزت جدران مسكنه ولكنه لم يتعرض لسوء، ودأب على مدح الثورة في شركته، والحملة عليها في بيته مجاراة لسميحة، وهو يقلب عينيه فيما حوله مستعيذا بالله. ولدى كل مناسبة تقول بحنق: هل سمعتم عن بلد تحكمه مجموعة من الكونستبلات؟!
فيهمس في أذنها بتدخل: احذري الخدم ... والجدران ... والهواء.
Página desconocida