الباب الثاني
العروق
الفصل الأول
منشأ عروق الهند وتقسيمها
(1) كيف تنشأ العروق وكيف تتحول
أرى قبل أن أصف عروق الهند أن أخصص بضع صفحات لتعريف العروق، وبيان ظهورها وتحولها، وذكر الصفات التي تقسم بها.
لم أفتأ أشرح في مؤلفاتي الأخيرة ما يقوله العلم وما أراه في تلك الأمور المهمة، فيكفي أن ألخص هنا ما فصلته في تلك المؤلفات.
تقسم الجماعات البشرية المنتشرة في مختلف أقطار الأرض إلى عروق، ويجب أن تعد كلمة «العرق» بالنسبة إلى الإنسان معادلة لكلمة «الجنس» بالنسبة إلى الحيوان، وتفترق العروق البشرية في أخلاقها افتراق أنواع الحيوان المتقاربة، ومن خواص هذه الأخلاق الأساسية أنها تنتقل بالوراثة انتقالا منتظما ثابتا.
وإذا كانت كلمة «العرق» مرادفة لكلمة «الجنس» فإنها لا تعدل كلمة «الأمة» أبدا، فالأمة، في الغالب، عروق كثيرة جمعت بينها السياسة أو الجغرافية أو غيرها من الأسباب في حكومة واحدة، فالكلمة: الهندوس أو الفرنسيون أو النمسيون، إلخ. تدل على جماعات منتسبة إلى عروق مختلفة أشد الاختلاف مع أنها تقطن في قطر واحد وذات أنظمة سياسية واحدة وذات مصالح مشتركة.
ويشاهد في جميع العروق البشرية، كما يشاهد في مختلف أنواع الحيوان، نوعان من الأخلاق ذوا أهمية متفاوتة، أحدهما هو الأخلاق التي انتقلت عن الأجداد بالوراثة، والنوع الثاني هو الأخلاق التي يكتسبها الإنسان في أثناء حياته القصيرة بفعل البيئة والتربية وما إليهما من مختلف العوامل، فنوع الأخلاق الأول هو تراث العرق الواحد بأسره، أي خلاصة ماض طويل، فالإنسان يأتي به حين ولادته، ولا يستطيع أن يضيف إليه غير القليل في حياته، ولن تقدر الصفات الجديدة التي تنال في كل جيل أن تقاوم عبء الماضي الثقيل الهائل إلا إذا تراكمت مع القرون في اتجاه واحد، وبهذا التراكم المتعاقب الذي هو وليد الانتخاب الطبيعي تتطور الأنواع تطورا بطيئا بعيد الغور.
Página desconocida