Habermas: Una introducción muy corta
يورجن هابرماس: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
شكل 5-2: أبعاد الصحة الثلاثة.
ترتبط أبعاد الصحة الثلاثة بدورها ارتباطا مباشرا بأبعاد الخطاب الثلاثة: البعد النظري، والبعد الأخلاقي، والبعد الجمالي (انظر الفصل الثالث، شكل
3-2 ). وتقوم الفكرة على أنه بينما تسقط رؤى العالم الديني بالتزامن مع صحوة العقلنة، فإن المشكلات التي تتمخض عن ذلك السقوط يتولاها ويحلها واحد من مجالات المعرفة الثلاثة: العلوم الطبيعية، والخلقية/القانون، والفنون. وتستمر عمليات التعلم وتتعمق المعرفة، ولكن دائما في إطار فرع واحد منذ ذلك الحين فصاعدا. فالحداثة تجلب زيادة كبيرة في كم المعرفة المتخصصة وعمقها، لكن هذه المعرفة تصبح، في العملية نفسها، منفصلة عن جذورها في الحياة اليومية، وتطفو بعيدا عن «تيار المنهج الذي يتطور بشكل طبيعي في تأويل الحياة اليومية» (الحداثة: مشروع غير مكتمل). إن الفجوة بين ما نعرفه وبين كيفية العيش آخذة في الاتساع. (1-2) مشروع الحداثة غير المكتمل
في عام 1980، أحدث هابرماس جلبة بالكلمة التي ألقاها تحت عنوان «الحداثة: مشروع غير مكتمل» بمناسبة حصوله على جائزة أدورنو. كانت الكلمة مثيرة لردود فعل غاضبة؛ لأن هابرماس سبح ضد التيار الفكري القوي آنذاك لحركة ما بعد الحداثة التي كانت تتوق لتوديع الحداثة، ومشروع التنوير الملازم لها بأكمله. إن العنوان الذي اختاره هابرماس يطرح نقطتين ضمنا؛ الأولى أن الحداثة «مشروع» لا حقبة تاريخية، والثانية أن هذا المشروع لم يكتمل بعد (بل يمكن وينبغي أن يكتمل).
يطلق هابرماس على الحداثة اسم «المشروع»؛ لأنه يراها حركة ثقافية تنشأ استجابة لمشكلات بعينها تتسبب فيها عمليات التحديث السالف وصفها أعلاه. كانت المشكلة الرئيسية هي إيجاد طريقة لإعادة ربط المعرفة المتخصصة، التي أطلقتها عملية التنوير، بالفطرة السليمة والعمليات الحياتية اليومية، للسيطرة على إمكاناتها إلى الأبد بربطها مرة أخرى بالعالم المعيش والمصلحة المشتركة. إن هذا المفهوم الخاص بالحداثة يضع ما يطلق عليه هابرماس فلسفة «ما بعد الميتافيزيقا» التي مهمتها، بحسب زعمه، أن تكون بديلا للعلوم التخصصية ومفسرة لها، في قلب الحياة الحديثة وتحدياتها. (جدير بالذكر أن مفهوم هوركهايمر وأدورنو للنظرية النقدية عالج التفاوت ذاته بين نمو المعرفة التي يمكن استغلالها فنيا، من ناحية، وغياب أي شكل مهم من الحياة الاجتماعية من ناحية أخرى.)
ويصف هابرماس المشروع الحديث بأنه «غير مكتمل»؛ لأن المشكلات التي يتناولها لم تحل بعد؛ إذ يعتقد أنه من غير المجدي تعطيل أو عكس اتجاه عملية التحديث الجارية، ولأنه يعتقد أيضا أن البدائل المطروحة للحداثة والتحديث أسوأ. ومن بين هذه البدائل السيئة مناوأة الحداثة. إن الأفكار المناوئة للحداثة - كالمذهب المجتمعاتي لدى ألسدير ماكنتاير (مواليد عام 1929) الذي يدافع في تفسير له عن إحياء منهج توما الإكويني للفضائل الأخلاقية؛ والأعمال اللاحقة لمارتن هايدجر، التي من الواضح أنها ترحب بعودة أسلوب للحياة أكثر ريفية وتقليدية - ما هي سوى وسائل مختلفة لتجميل انتكاسة في أشكال الحياة ما قبل الحداثية. والبديل السيئ الآخر هو ما بعد الحداثوية. يشك هابرماس في أن الإعلان الصاخب العارض عن نهاية الحداثة يتخلص من الصالح (المثل الإنسانية للتنوير) مع الطالح (نمو العقلانية الأداتية والإيمان بالمنافع الاجتماعية للتطور التكنولوجي والعلمي). إنه ينفر من جميع أشكال النسبية والتناص اللذين يخلط بينهما وبين اللامنطقية كثيرا؛ ولعل ذلك يفسر النبرة الدرامية المبالغ فيها الملتفتة إلى الماضي لمعارضته الجدلية لما بعد الحداثوية في كتابه «الخطاب الفلسفي للحداثة: اثنتا عشرة محاضرة». آنذاك، كان هابرماس قلقا من أن فلسفة ما بعد الحداثة المؤثرة آنذاك من فرنسا ربما كانت فخا لانبعاث النزعة اللاعقلانية في ألمانيا.
يعتقد هابرماس أننا يجب ألا نضحي بالمكاسب التي جلبتها لنا الحداثة؛ ألا وهي زيادة المعارف، والفوائد الاقتصادية، والتوسع في الحريات الفردية. إن استكمال الحداثة لا يعني فقط قبول كل ما تلقيه علينا من مستجدات، بل التخصيص الناقد للإمكانات الثقافية والتكنولوجية والاقتصادية للعالم الحديث في ضوء المثل الإنسانية العلمانية. وقد لا تكون هذه بالمهمة الهينة؛ ذلك أنها تتطلب، من بين متطلبات أخرى، «إمكانية توجيه التحديث الاجتماعي في اتجاهات أخرى غير رأسمالية» (الحداثة: مشروع غير مكتمل). ويتطلب استكمال الحداثة وقاية العالم المعيش بفاعلية من الأثر المدمر للنظام، وكما رأينا في الفصل السابق، لا يوجد حاليا أي عامل أو قوة كافية لإنجاز هذه المهمة. (1-3) نشأة الخلقية العلمانية
بحسب التحليل التاريخي لهابرماس، يفضي التحديث إلى تحرير البشر من الأدوار والقيم التقليدية، وإلى اعتمادهم المتزايد على التواصل والخطاب لتنسيق أفعالهم وخلق نظام اجتماعي. ويلخص هابرماس ذلك كله فيما أطلق عليه أطروحة الحداثة الخاصة بهابرماس:
لم يعد بإمكان الحداثة أن تستعير المعايير التي تسترشد بها، بل ولن تفعل، من النماذج التي تقدمها حقبة أخرى؛ بل «لا بد أن تخلق معياريتها من تلقاء نفسها». «الخطاب الفلسفي للحداثة: اثنتا عشرة محاضرة»
يشير الحديث عن «المعيارية» هنا إلى المعاني والتفاهمات المشتركة التي تنشأ نتيجة الخطابات التي تجرى بنجاح. وهذه الخطابات تخلق ذاتيا لأنها نتيجة التواصل والخطاب، ومن هذا المنطلق فهي تئول إلينا باعتبارنا الفاعلين والمشاركين في الخطاب. وهي أيضا خطابات عقلانية ما دامت تستند إلى الإقرار المشترك بادعاءات الصحة.
Página desconocida