Alimento de los corazones en la explicación de la versificación de las costumbres
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب
Editorial
مؤسسة قرطبة
Número de edición
الثانية
Año de publicación
1414 AH
Ubicación del editor
مصر
Géneros
Sufismo
وَفِي مُسْنَدِ سَيِّدِنَا الْإِمَامِ أَحْمَدَ طَيَّبَ اللَّهُ مَثْوَاهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ خَادِمِ رَسُولِ اللَّهِ ﵁ وَأَرْضَاهُ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «لَا يَسْتَقِيمُ إيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ» قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ - عَلَيْهِ رَحْمَةُ رَبِّهِ -: الْمُرَادُ بِاسْتِقَامَةِ إيمَانِهِ اسْتِقَامَةُ أَعْمَالِ جَوَارِحِهِ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ، فَإِنَّ أَعْمَالَهَا لَا تَسْتَقِيمُ إلَّا بِاسْتِقَامَةِ قَلْبِهِ. وَمَعْنَى اسْتِقَامَةِ الْقَلْبِ أَنْ يَكُونَ مُمْتَلِئًا مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ وَحُبِّهِ، وَحُبِّ طَاعَتِهِ، وَكَرَاهَةِ مَعْصِيَتِهِ وَغَضَبِهِ.
قَالَ الْحَسَنُ لِرَجُلٍ: دَاوِ قَلْبَك فَإِنَّ حَاجَةَ اللَّهِ إلَى الْعِبَادِ صَلَاحُ قُلُوبِهِمْ، يَعْنِي أَنَّ مَطْلُوبَ الرَّبِّ مِنْ الْعِبَادِ، صَلَاحُ قُلُوبِهِمْ مِنْ الْمِحَنِ وَالْفَسَادِ، وَلَا صَلَاحَ لِلْقُلُوبِ، حَتَّى تَسْتَقِرَّ فِيهَا مَعْرِفَةُ عَلَّامِ الْغُيُوبِ، وَتَمْتَلِئَ مِنْ خَوْفِهِ وَخَشْيَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَمَهَابَتِهِ وَالِالْتِجَاءِ إلَيْهِ، وَهَذَا حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مَعْنَى (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) فَلَا صَلَاحَ لِلْقُلُوبِ حَتَّى تُفَرِّدَ مَحَبَّةَ الْمَحْبُوبِ.
وَرَوَى اللَّيْثُ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا﴾ [الأنعام: ٨٠] لَا تُحِبُّوا غَيْرِي.
وَفِي صَحِيحِ الْحَاكِمِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ «الشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ الذَّرِّ عَلَى الصَّفَا فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ» وَأَدْنَاهُ أَنْ يُحِبَّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْجَوْرِ، وَأَنْ يُبْغِضَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْعَدْلِ وَهَلْ الدِّينُ إلَّا الْحُبُّ وَالْبُغْضُ. قَالَ تَعَالَى ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٣١] فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَحَبَّةَ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَبُغْضَ مَا يُحِبُّهُ مُتَابَعَةٌ لِلْهَوَى وَالْمُوَالَاةُ عَلَى ذَلِكَ وَالْمُعَادَاةُ عَلَيْهِ مِنْ الشِّرْكِ الْخَفِيِّ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٣١] .
وَفِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ «مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ وَأَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ» قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ: وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ حَرَكَاتِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ إذَا كَانَتْ لِلَّهِ فَقَدْ كَمُلَ إيمَانُ الْعَبْدِ بِذَلِكَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَيَلْزَمُ مِنْ صَلَاحِ حَرَكَاتِ الْقَلْبِ صَلَاحُ حَرَكَاتِ الْجَوَارِحِ، فَإِذَا كَانَ الْقَلْبُ صَالِحًا لَيْسَ فِيهِ إلَّا إرَادَةُ اللَّهِ وَإِرَادَةُ مَا يُرِيدُهُ لَمْ تَنْبَعِثْ الْجَوَارِحُ إلَّا فِيمَا يُرِيدُهُ اللَّهُ، فَسَارَعَتْ إلَى مَا فِيهِ رِضَاهُ وَكَفَّتْ عَمَّا يَكْرَهُهُ.
قَالَ الْحَسَنُ مَا ضَرَبْت بِبَصَرِي وَلَا نَطَقْت بِلِسَانِي وَلَا بَطَشْت بِيَدِي وَلَا نَهَضْت عَلَى قَدَمِي حَتَّى أَنْظُرَ عَلَى طَاعَةٍ أَوْ عَلَى مَعْصِيَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ طَاعَةً
1 / 62