Alimento de los corazones en la explicación de la versificación de las costumbres
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب
Editorial
مؤسسة قرطبة
Número de edición
الثانية
Año de publicación
1414 AH
Ubicación del editor
مصر
Géneros
Sufismo
الْإِنْسَانُ مَعَ رَبِّهِ.
فَمَنْ كَانَ لَهُ مَعَ رَبِّهِ حَالٌ تَحَرَّكَتْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ عَزَائِمُهُ، وَابْتَهَجَتْ بِالْمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ سَرَائِرُهُ، وَطَالَتْ إلَى الْعُلَا زَفَرَاتُهُ وَكَوَامِنُهُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ أُنْمُوذَجٌ لِحَالَةِ الْعَبْدِ فِي قَبْرِهِ حِينَ خُلُوِّهِ عَنْ مَالِهِ وَوَلَدِهِ، فَمَنْ لَمْ يَخْلُ قَلْبُهُ لِلَّهِ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لَمَا احْتَوَشَتْهُ مِنْ الْهُمُومِ الدُّنْيَوِيَّةِ ذَوَاتُ الْآصَارِ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ثَمَّ رَابِطَةٌ عُلْوِيَّةٌ، وَلَا نَصِيبٌ مِنْ الْمَحَبَّةِ وَلَا الْمَحْبُوبِيَّةِ، فَلْيَبْكِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَرْضَى مِنْهَا إلَّا بِنَصِيبٍ مِنْ قُرْبِ رَبِّهِ وَأُنْسِهِ.
فَإِذَا خَلَصْت لِلَّهِ تِلْكَ السَّاعَةُ أَمْكَنَ إيقَاعُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى نَمَطِهَا مِنْ الْحُضُورِ وَالْخَشْيَةِ وَالْهَيْبَةِ لِلرَّبِّ الْعَظِيمِ فِي السُّجُودِ وَالرُّكُوعِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ نَبْخَلَ عَلَى أَنْفُسِنَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَاعَةً بِسَاعَةٍ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ نَعْبُدُهُ فِيهَا حَقَّ عِبَادَتِهِ، ثُمَّ نَجْتَهِدُ عَلَى إيقَاعِ الصَّلَوَاتِ عَلَى ذَلِكَ النَّهْجِ.
وَقَالَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ فِي غَيْرِ الرِّسَالَةِ: وَيُحَاسِبُ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ فِي حَرَكَاتِ جَوَارِحِهِ السَّبْعِ مِنْ حِينِ تَطْلُعُ الشَّمْسُ إلَى أَنْ تَغِيبَ، وَمِنْ غُرُوبِهَا إلَى أَنْ تَطْلُعَ، وَهِيَ الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ وَاللِّسَانُ وَالْبَطْنُ وَالْفَرْجُ وَالْيَدُ وَالرِّجْلُ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا.
وَأَصْلُ الْجَمِيعِ الْقَلْبُ بِشَهَادَةِ قَوْلِهِ ﷺ «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
فَإِصْلَاحُ حَرَكَاتِ الْعَبْدِ بِجَوَارِحِهِ وَاجْتِنَابِهِ لِلْمُحَرَّمَاتِ وَاتِّقَائِهِ لِلشُّبُهَاتِ بِحَسَبِ صَلَاحِ حَرَكَةِ قَلْبِهِ، فَإِنْ كَانَ قَلْبُهُ سَلِيمًا لَيْسَ فِيهِ إلَّا مَحَبَّةُ رَبِّهِ وَمَحَبَّةُ مَا يُحِبُّهُ، وَخَشْيَتُهُ وَخَشْيَةُ الْوُقُوعِ فِيمَا يَكْرَهُهُ، صَلَحَتْ حَرَكَاتُ جَوَارِحِهِ كُلُّهَا، وَنَشَأَ عَنْ ذَلِكَ اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ كُلِّهَا وَتَوَقِّي الْمُشْتَبِهَاتِ، حَذَرًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَحَصَلَتْ لَهُ السَّلَامَةُ مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ، وَالْعَافِيَةُ مِنْ كُلِّ الْهَلَكَاتِ.
وَإِنْ كَانَ الْقَلْبُ فَاسِدًا قَدْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ اتِّبَاعُ هَوَاهُ، وَطَلَبُ مَا يُحِبُّهُ وَلَوْ كَرِهَهُ مَوْلَاهُ، فَسَدَتْ حَرَكَاتُ الْجَوَارِحِ، وَانْبَعَثَ إلَى كُلِّ الْمَعَاصِي وَالْقَبَائِحِ. وَلِذَا يُقَالُ الْقَلْبُ مَلِكُ الْأَعْضَاءِ وَهِيَ جُنُودُهُ الطَّائِعَةُ، وَحَرَكَتُهَا كُلُّهَا لِحَرَكَتِهِ تَابِعَةٌ.
فَإِنْ كَانَ الْمَلِكُ صَالِحًا كَانَتْ الْجُنُودُ صَالِحَةً، وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا كَانَتْ جُنُودُهُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ الْفَاضِحَةِ. وَقَدْ نَصَّ الْقُرْآنُ الْحَكِيمُ، أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ إلَّا الْقَلْبُ السَّلِيمُ. وَكَانَ ﵊ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ «وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا» فَالْقَلْبُ السَّلِيمُ هُوَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ سِوَى مَا يُحِبُّهُ الرَّبُّ الْحَكِيمُ.
1 / 61