وهم يعلمون أن جبل سيعير هو جبلُ الشراة الذي فيه بنو العيص الذين آمنوا
بعيسى، ﵇، بل في هذا الجبل كان مقام المسيح ﵇. وهم
يعلمون أن سيناء هو جبل الطور، لكنهم لا يعلمون أن جبل فاران هو جبل
مكة!
وفى الإشارة إلى هذه الأماكن الثلاثة التي كانت مقام نبوة هؤلاء الأنبياء، ما
يقتضى للعقلاء أن يبحثوا عن تأويله المؤدى إلى الأمر باتباع مقالتهم.
فأما الدليل الواضحُ من التوراة على أن جبل فاران هو جبل مكة، فهو
أن إسماعيل لما فارق أباه الخليل، ﵉ سكن إسماعيل في برِّية فاران، ونطقت التوراة بذلك في قوله: " وتقاح لو اموا شيامئا يرض مِصْرايم ".
تفسير: " وأقام في برية فاران، وأنكحته أمه امراةً من أرض مصر".
فقد ثبت من التوراة أن جبل فاران مسكنٌ لآل إسماعيل، وإذا كانت التوراة قد أشارت في الآية التى تقدم ذكرها إلى نبوة تنزل على جبل فاران.
لزم أن تلك النبوة على آل إسماعيل؛ لأنهم سكان فاران، وقد علم الناسُ قاطبة أن الشار إليه بالنبوة من ولد إسماعيل هو محمد ﷺ، وأنه بعث من مكة التي كان فيها مقام إسماعيل.
فدل ذلك على جبال فاران هى جبال مكة، وأن التوراة أشارت في هذا الموضع إلى نبوة الصطفى، صلوات الله وسلامه عليه، وبشرت به، إلا أن اليهود، لجهلهم وضلالهم، لا يحسنون الجمع بين هاتين الآيتين، بل يسلمون
المقدمتين ويجحدون النتيجة، لفرط جهلهم.
1 / 56