يمنيًا، وكذلك لا يجب على الإنسان التقيد بقراءة السبعة المشهورين باتفاق المسلمين، بل إذا وافقت القراءة رسم المصحف الإمام وصحّت في العربية وصح سندها جازت القراءة بها، وصحت الصلاة بها اتفاقًا، بل لو قرأ بقراءة تخرج عن مصحف عثمان وقد قرأ بها رسول الله ﷺ والصحابة بعده جازت القراءة بها، ولم تبطل الصلاة بها على أصح الأقوال، والثاني تبطل الصلاة بها، وهاتان الروايتان منصوصتان عن الإمام أحمد. والثالث: إن قرأ بها في الركن لم يكن مؤديًا لفرضه، وإن قرأ بها في غيره لم تكن مبطلة؛ وهذا اختيار أبي البركات ابن تيمية، [قال:] لأنه لم يتحقق الإتيان بالركن في الأول، ولا الإتيان بالمبطل في الثاني. ولكن ليس له أن يتبع رخص المذاهب، وأخذ غرضه من أي مذهب وجده فيه، بل عليه اتباع الحق بحسب الإمكان" انتهى.
(فظهر لك) مما قررناه في الوجوه العشرة: أن ما ذكره النبهاني المسكين من القول بانسداد باب الاجتهاد قول باطل مبتدع، فإنا نعلم بالضرورة أنه لم يكن في عصر الصحابة رجل واحد اتخذ رجلًا منهم يقلده في جميع أقواله، فلم يسقط منها شيئًا وأسقط أقوال غيره فلم يأخذ منها شيئًا. ونعلم بالضرورة أن هذا لم يكن في التابعين، ولا تابعي التابعين، فليكذبنا المقلدون برجل واحد سلك سبيلهم الوخيمة في القرون الفضيلة على لسان رسول الله ﷺ، وإنما حدثت هذه البدعة في القرن الرابع المذموم على لسانه صلى الله عليه وسلم١، فالمقلدون لمتبوعهم في جميع ما قالوه -يبيحون به الفروج، والدماء، والأموال، ويحرمونها، ولا يدرون أذلك صواب أم خطأ -على خطر عظيم، ولهم بين يدي الله موقف شديد، يعلم فيه من قال على الله ما لا يعلم أنه لم يكن على شيء.
وقد أطنب الحافظ ابن القيم عليه الرحمة في كتابه (أعلام الموقعين) الكلام في ذم المقلدين، وأبطل فيه قول الجهلة بانقطاع الاجتهاد. وألف جمع من الأفاضل في ذلك كتبًا مفيدة، ولولا تعرض هذا الجاهل لهذه المسألة وإن لم يكن