قيصرون
ومنذ ولد ذلك الطفل أصبح هو المحور الأساسي الذي تدور عليه آمالها وتصرفاتها حتى نهاية حياتها، وأخذ تأثير يوليوس قيصر عليها في الزوال. لم يلبث قيصر أن أصبح حدثا قديما من حوادث الماضي، وأخذت تستعمل جمالها وذكاءها وقوتها وحيلها في تحقيق أطماعها؛ وهي أطماع الأم التي ترغب في أن يصل ابنها إلى مركزه الحقيقي الجدير به، فهو ابن يوليوس قيصر؛ ولذلك يجب أن يرثه في التربع على عرش العالم.
والظاهر أن حب قيصر نفسه لكليوباترا بعد ولادة «قيصرون» قد نقص؛ إذ كان هو رجلا عمليا وكانت كليوباترا واحدة من خليلاته العديدات، وكان قد عاد إلى روما ليحمل الناس على قبول دكتاتوريته الجديدة. واستدعى كليوباترا إلى روما بعد ذلك لتشاركه مركزه الرفيع، مفضلا إياها على زوجته الشرعية كالبورنيا، إلا أن وجود كليوباترا بروما سبب فضيحة كبرى؛ إذ ما كان الرأي العام الروماني ليوافق على الزواج الذي قيل إنه تم بمصر.
وكانت كالبورنيا زوج قيصر الأولى من الطبقة العليا، ولها أصدقاء أقوياء النفوذ؛ ولذا عاشت كليوباترا بروما معيشة خليلة للقيصر قليلة الأهمية في منزل يطل على ضفاف التيبر، ولقد احتملت ذل تلك الحياة من أجل ابنها فقط، ولبثت تنتظر انتصار قيصر على أعدائه. ولو تم له ذلك لأصبحت هي ملكة العالم، ولصار قيصرون وارثا لمملكة لم ير التاريخ مثلها من قبل.
ولكنه لم ينتصر! فلقد سببت قوات قيصر حسدا عظيما بين القوات الأخرى، وأوجدت له أطماعه أعداء كثيري العدد، وانتهى الأمر بأن طعن في يوم من أيام شهر مارس أثناء ذهابه إلى مجلس الشيوخ طعنة قاتلة أردته في الحال.
وهكذا انتهت أحلام كليوباترا، وعادت إلى مصر تحمل ذكريات كثيرة عظيمة التأثير، وعادت تحمل بين ذراعيها وارثا قويا للأملاك الرومانية؛ هو قيصرون، ابن يوليوس قيصر. مات الوالد، إذن فليحي الابن وليحتل مركز أبيه! وهكذا ظلت الأم تنتظر سنوح الفرصة لتحقق هذا الأمل.
مارك أنطوني
كان مارك أنطوني أعظم أصدقاء يوليوس قيصر، فلما قتل قيصر أعلن أنطوني أنه سينتقم له من القتلة وفي مقدمتهم بروتس، ولما انتصر عليهم أصبح هو، كما كان يوليوس من قبله، أعظم شخص في العالم، وكان عدوه الوحيد هو أوكتافيوس ابن أخي يوليوس قيصر ووارثه الشرعي، ولكنه ما لبث أن انتصر عليه.
ولما وصل مارك أنطوني إلى تلك المكانة العليا؛ صار واجبا على كليوباترا أن تعمل على نيل رضائه من أجل مصالحها ومصالح ابنها وأطماعها العتيدة الخالدة.
ولم يكونا، أنطوني وكليوباترا، غريبين عن بعضهما؛ إذ كانا قد تقابلا في روما حيث كانت كليوباترا ملكة لا عرش لها، تقطن بالمنزل المطل على ضفاف التيبر، وكان أنطوني يزورها كثيرا في ذلك المنزل بصفته من أصدقاء قيصر وأخصائه؛ ولذا كانت كليوباترا حين وصل أنطوني إلى أوج العظمة تعرف جيدا الرجل الذي تعامله، ولا شك أنها سرت لأنها ستعامل مارك أنطوني؛ إذ كانت تعرف أنه من السهل أن يقع فريسة لمثل جمالها.
Página desconocida