وكيف ينفذ الصوت من خلال كمامات سميكة كالجدران؟ كان نوعا من الجنون، وجنون فرد واحد لا يصنع شيئا ولكنها الجموع، هل تذكرين ذلك الحوار القديم؟
أجل، لم أكن واحدا، كان معي آخرون، لم نملك إلا ذلك الدور البسيط الخطير، تلك الكلمات الطبيعية البسيطة التي ولدت مع أول إنسان، أن يفكر وأن ينطق، لم تكن إلا هذه الكلمات نقولها ونكتبها، لم تكن مدافع أو بنادق أو قنابل، كانت كلمات فحسب.
وافترقنا في تلك الليلة القصيرة، وسرت وحدي في شارع النيل، كنت أفكر فيك، كنت أحس أنك تتألمين، أن في أعماقك فكرة جديدة تصارع من أجل الخروج، تصارع وحدها جدرانا عالية ... في الوزارة والبيت والشارع وعظام رأسك، نعم يا فؤادة، كان هناك جدار آخر في رأسك، جدار قصير لم يولد معك، لكنه بني يوما بعد يوم من الصمت الطويل، وقلت لنفسي ليلتها وأنا أسير: إنه جدار قصير وسينهار حتما حين تنهار الجدران الأخرى.
ولم أصل إلى البيت، كان هناك رجل يتعقبني، أظن أنه لم يكن واحدا، كانوا أكثر من واحد ...
بل كانوا كثيرون مسلحين، ولم يكن معي شيء، تذكرين، كنت أرتدي القميص البني والبنطلون، وفتشوا جيوبي، ولم يجدوا شيئا، وهل توضع الكلمات في الجيوب، وأمسكوا بي ووضعوني في الحديد، لكن الكلمات حملها الهواء فهل يمسكون الهواء ويضعونه في الحديد؟
الجدران من حولي، لكنك معي، أحس يدك الصغيرة الناعمة على وجهي وأرى عينيك الخضراوين في عيني، يطل منهما ذلك الشيء الجديد الحبيس يريد أن ينطق ولا يستطيع، لا تحزني يا فؤادة ولا تبكي، فالكلمات في الهواء خارج الجدران، تعيش وتدخل مع الهواء إلى الصدور، وسيأتي حتما يوم تسقط فيه الكمامات وتنطق الأفواه من جديد.
فريد (انتهت)
Página desconocida