الناس كبنانك إن كان غير متساوٍ، فإنه ليس بمتباعد الشاو؛ كلنا ذو عيبٍ، رجل يظهر ما لديه، ورجل يستر ربه عليه. من كان ذا عقلٍ سيط، فهو كالجزء الثالث من البسيط، أي نقصٍ غيره، مجه السمع وأنكره، إن طوى، فكأنه عقد ولوى؛ وإن خبن، عيب بذلك وأبن؛ وإن خبل، فأسير حبل؛ ومن كان فيه خير وشر، والشر عنده أكثر، فهو في الدول، كالجزء الأول؛ أما خبنه فخفى، وأما غيره فبين جلى، والله ساتر العيوب. ومن إعتدل أمراه من بطءٍ وأزجٍ، كان كالجزء الثالث من الهزج، يدركه نقصان، وأي الخلق عن ذلك يصان! أحدهما خافٍ، والآخر ذو إنكشاف؛ ومن وفقه خالق التوفيق كان كالجزء من الرجز، لا يعلم إذا عجز، أي نقصٍ دخله، هان على حس السامع فأحتمله، ووجدت الجزء الأخرم كمسئ في غير دار، غير أنه أسند إلى جدار، فهو لذلك مبين الخرمات. غاية.
تفسير: سيط: خلط. والجزء الثالث من البسيط: أي حذف سقط منه بأن فيه لصاحب الذوق، وليس كذلك غيره من الأجزاء؛ كقول الأعشى:
علقتها عرضًا وعلقت رجلًا ... غيرى وعلق أخرى غيرها الرجل
فقوله و" علقت " هو الجزء الثالث وقد أصابه الخبن. والخبن: سقوط الثاني يكون أصله " مستفعلن " فيحول إلى " مفاعلن "؛ ولو أصابه الطئ كان أشنع وهو كالمفقود في شعر العرب. والطئ: سقوط الرابع. فإن أصابه الخبل فهو أشنع وذلك كالمفقود في شعر العرب أيضًا، على أن الخليل قد أجازه في الأجزاء السياعية كلها من هذا الجنس. والخبل: اجتماع الطى والخبن. والأزج: النشاط. والجزء الثالث من الهزج: إن أدركه النقص بالكف " وهو سقوط النون من مفاعلين " لم يعلم به في الحس، وكذلك الجزءان اللذان قبله، مثل قول ابن الزبعرى:
فهذان يذودان ... وذا من كثبٍ يرمى
وإن أدركه القبض " وهو سقوط الياء من مفاعيلن " بأن ذلك في الذوق؛ كقوله:
حللنا بأوراتٍ ... وأصبحوا بنعمانا
والجزء من الرجز: يدركه الطئ تارة، والخبن مرة، والخبل أخرى، وكل ذلك يسهل فيه؛ وهذا بيت قد إجتمع في الأصناف الثلاثة ولا بأس به في الذوق وهو قول قعنب بن أم صاحبٍ:
باكرنى بسحرةٍ عواذلى ... ولو مهن خبل من الخبل
والخرام: هو سقوط حرف متحرك من أول كل شعرٍ أصل بناء أوله على حرفين متحركين والثالث ساكن؛ وذلك في خمسة أجناس: الطويل لأن أوله فعولن، والوافر لأن أوله مفاعلتن، والهزج لأن أوله مفاعلين، والمضارع لأن أوله مفاعيل، والمتقارب لأن أوله فعولن؛ فكأنه مثل الذي يفعل قبيحًا في غير دارٍ؛ لأنه كالخارج من بيت الشعر إذ كان أول حرفٍ منه ليس بمتوسطٍ فيه، فهو كالذي يفعل شيئًا ينكر عليه وهو مستند إلى جدارٍ غير متوارٍ به.
رجع: الله مسدد القائلين. جمع من مضى حروف الزوائد فجعلها " اليوم تنساه " وتلك طيرة للمتعلمين. وقال بعضهم " هويت السمان " وتلك دعوى يحتمل أن يبطل قائلها في دعواه. فجمعتها في لفظين لا يكذب قائلهما فيما قال، أحدهما: " التناهي سمو " والآخر: " تهاونى أسلم " وربنا مزيل الشبهات. غاية.
بل ياجفن، وأبل يا جسم، وأبلى يا نفس، يبل من المرض الدين، ليس يبل عند الله أبل، فاطو صديقك على بلته، ولا تثقن بلا بس حبلاتٍ. غاية.
تفسير: بل: من وبل يبل. وأبلى يا نفس: أي أمتنعى من المحارم؛ وأصله أبل الوحشى إذا إحتزأ بالكلاء عن الماء. ويبل: يظفر. والأبل: الخبيث. فاطو صديقك على بلته: وهذا مثل يضرب، أصله في السقاء وهو أن يطوى وهو مبتل، وإذا فعل به ذلك فهو أبقى له؛ ومنه قول الشاعر:
ولقد طربتكم على بللانكم ... وعلمت ما فيكم من الأذراب
" الأذراب ": العيوب. والحبلات: جمع حبلةٍ؛ قال ابن الأعرابي: هي صياغة على مقدار ثمر الطلح؛ وأنشد للنمر بن تولبٍ:
وكل خليلٍ عليه الرعا ... ث والحبلات خؤون ملق
رجع: جاءت النفس بإدٍ، إنها تطرب وتئد إلى محارم الله؛ ولها أقول: أودي صالحة، وأودى عن المآثم ناكصةً، وآدى للرحلة، وأيدي إلى العافية؛ فخير الناس من إذا أصبح موديًا من الهلكة، وجد موديًا من النعمة، مؤديًا من القوة على أشق السفرات. غاية.
تفسير: بإذٍ: أي بمنكرٍ وعجبٍ ونئذ: من أد يئد وهو شدة الحنين. أودى: إهلكى. وأودى: إرجعي من آد يؤود إذا رجع؛ ومنه قول الهدلى:
1 / 44