وأبو عبيدة، وجعله رسولَه إلى ملك عُمان وأمينَه على الصدقات فيها، وشهد له أنه «من صالحي قريش»، وقال فيه: «نِعْمَ أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله». ونظر إليه عمر فقال: «ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرًا»، وقال قَبِيصَة ابن جابر: «صحبت عمرو بن العاص، فما رأيت رجلًا أَبْيَنَ قرآنًا ولا أكرم خلقًا ولا أشبه سريرةً بعلانية منه». وكان عمر إذا رأى رجلًا عَيِيًّا يتلجلج في كلامه يقول: «أشهد أن خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد» (١).
وكان مشهده يوم بلغه انتقال الرسول ﷺ إلى الملأ الأعلى مشهدًا يلين القلوب الجامدة، وما يُفجَع ولد بأبيه أو محب بحبيبه فتكون لوعته عليه وحسرته لفقده أشدَّ من حسرة عمرو ولوعته.
وكان يومَ الردة سيفًا من سيوف الله التي رجعت الإسلامَ إلى موطنه بعدما كادت تشرّده عنه الخطوب، وأعز الله به الدين وقمع الثائرين. ثم رمى به الصدّيقُ الرومَ، وقدّمه على «مَن هم أقدم منه سابقة وحرمة» (٢) وجعله أحد القوّاد الأربعة، فتجلّت عبقريته حتى رجع الثلاثة إلى رأيه، وبلغ الرأيُ أبا بكر فأقرّ ما رأى. وكان في اليرموك ثاني الأبطال بعد نابغة المعارك خالد، وكان بطل أَجْنادين، فضرب الله به أرطبون الروم بأرطبون العرب، فكان أرجح منه في الميزان وكانت عبقريته أبقى على وجه الزمان، حتى قال عُمَر: غلبه عمرو، لله عمرو!
_________
(١) تخريج الأحاديث في الإصابة لإمام الحُفّاظ ابن حجر.
(٢) من كلام أبي بكر له في وصيته العجيبة التي تشهد لنا أننا نحن أهل البطولة وأهل الحضارة لا هؤلاء الغربيون.
1 / 81