من النيل إلى البحر الأحمر، استعملهم فيه بالأجرة لا بالسخرة، وجعله لهم لا لغيرهم، فكان للخير والبركات، لا كقناة السويس التي هي في أرضنا وليست لنا!
فكانت هذه الأعمال خطبًا ومحاضرات في الدعوة إلى الإسلام، ما سمعها المصريون حتى انقلبوا جميعًا مسلمين، وكذلك تكون الدعوة: بالأعمال لا بالأقوال.
* * *
لقد رأيت مرة رواية مسرحية في جمعية إسلامية مثّل فيها الممثلُ عَمْرًا رجلًا قميئًا ثعلبيًا محتالًا، يتدسّس في القوم ويستَرِق الأخبار ويوقع الشر ويتعمد الكذب، فعلمت أن هؤلاء الذين هداهم الله بعمرو لا يعرفون من هو عمرو!
لقد كان عمرو شريفًا في الجاهلية والإسلام، وكان صادقًا صريحًا، وكان شاعرًا فصيحًا، وكان أبيًّا عَزوفًا لا يرضى بالدَّنِيّة من عُمَر (وهو مَنْ هو) ويردّ عليه الكلمة بمثلها حين راسله في أمر خراج مصر. وكان فقيهًا في دينه، أسلم طائعًا مختارًا، فتوافقت على ورود شِرعة الإسلام يومئذ عبقريتا عظيمَين من عظماء الناس كلهم لا العرب وحدهم وماردين من مَرَدة القيادة والحروب، سيد القواد خالد بن الوليد وعمرو بن العاص. هداه إلى الإسلام نطق سديد، لم يدخله فيه طمع ولا طبَع، ولم تدفعه إليه رغبة ولا رهبة، وكان صادقًا في إسلامه قويًا في إيمانه، حتى ولاّه الرسول ﷺ حَطْم رب من أرباب الباطل، اختاره لهدم سُواع، وأقره على إمارة سرية فيها سادة الإسلام ومشايخه: أبو بكر وعمر
1 / 80