فصحنا جميعا - ما عدا فرحة فإنها مؤدبة.. «برافو.. برافو..» فلم يعبأ بنا ومضى يقول: «الجديد علينا هو ابن العمدة.. فهو السارق».
فلما نطق بهذا، صحنا به جميعا - حتى فرحة وإن كانت مؤدبة - فلم ينهزم، وقال وهو يعود إلى الجلوس على الحشية: «لا بأس.. ولا داعى للصياح.. المسألة بسيطة، إذا لم يكن هو اللص فمن عسى أن يكون غيره»؟
فقلت: «أنت مثلا.. لم لا»؟
فقهقه، فقلت: «ألا يمكن أن تكون قد أخذته لتضعه فى مكان أمين ثم نسيته كعادتك؟ إنك هكذا وأنت تعرف ما يكلفنا نسيانك. قم انظر أين وضعت العقد، واذكر الأسفنجة.. قبل أن تعترض وتحتج.. قم من فضلك».
فقالت أختي وهى تعتدل في مجلسها: «يا سليم.. إني لم أخطئ حين أزعجتك.. كلا، وأنا الآن واثقة أن ابن العم قد نسى أين وضعه».
فصاح بها محتجا: «ولكنى يا ستي لم أدخل غرفتك.. ودعتك - أعنى قبلتك ولا مؤاخذة يا سليم، فهذه عادة الأزواج - ثم لم أعد.. فكيف يمكن أن أكون قد أخذته»؟
فقالت وهى تقف: «تذكر.. حاول أن تتذكر..».
وزدت أنا على قولها : «جرب مرة واحدة أن تكلف هذا الرأس عملا.. لا تخف أن تتعب».
فمضى عنا إلى الباب وهو يقول: «إنى ذاهب إلى الحمام..».
وهنا ينبغي أن أقول إن العقد الذي غاب مما ورثناه عن أمي، وهو من اللؤلؤ النفيس.. وكانت حباته نحو مائتين، وأكثرها من الكبار في حجم الفولة، وقد رأينا أن نجعل منه عقدا واحدا صغيرا أعطيناه لفرحة، وبقى الكبير وآخر صغير لأختي.. فكانت إذا لبست أحدهما تلفه على نحرها الجميل، فغير معقول أن يسرق منها وهو على نحرها. على أن الأمر لا محل فيه للتخمين، فقد قالت فرحة إنها وضعته على المنضدة.. وفرحة صادقة، ثم أن ذاكرتها لا تخونها أو تعابثها كما تعابث ابن عمى - أحمد - ذاكرته. ولم يكن أسخف من قوله - وإن كان يمزح على عادته - إن ابن العمدة «حسن» هو الوحيد الذي تتجه إليه التهمة، فإن «حسنا» هذا من سراة الناس، وهو فوق ذلك من أقرباء أحمد الأدنين. وقد ذكرت ذلك لأريك إلي أي حد يذهب أحمد في مزاحه.
Página desconocida