En la Filosofía de la Crítica
في فلسفة النقد
Géneros
3
والدعوى التي أدعيها متمنيا أن أجد من يبين لي وجه الخطأ فيها، هي أن أدباء القصة عندنا يوشكون ألا يجاوزوا البعد الأول، وهو مستوى الحوادث في جريانها، ثم لا شيء بعد ذلك.
وأول قصة ترد إلى خاطري في هذا الصدد هي قصة «الأرض» للأستاذ عبد الرحمن الشرقاوي، والحق أني قد قرأتها منذ حين ليس بالقصير؛ فتفصيلاتها باهتة شاحبة في ذاكرتي، لكنني ما أزال أذكر أثرها العام في نفسي ذكرا يبيح لي أن أتخذها مثلا لما أقول.
فلا شك أن لهذا الأديب قدرة فنية تستوقف النظر بالنسبة إلى محيطنا الأدبي؛ فله العين المبصرة التي تقع على الخبرة الحية في تعينها وتفردها، وله اللمسة التي يبرز بها الجانب الإنساني من موضوعه واضحا جليا، حتى الطبيعة إذا ما مسها بقلمه جعل منها أداة تزيد من إبراز الجانب الإنساني في أشخاصه؛ إذ هم ينشطون على المسرح الطبيعي الذي يكون قد أعده لنشاطهم، ثم لا شك في أنه استطاع أن يجعل الحركة في حوادث القصة وفي حياة أشخاصها متدفقة بحيث لا تتخللها مناطق رهو تسكن فيها دوامة الحوادث، أو يقف فيها تيار النشاط.
كل هذا حق أعترف به، لكني أتمنى لو قد أشار لي إلى شخص واحد من مجموعة أشخاصه يستطيع أن يقول عنه إنه قد نفذ خلال سلوكه إلى حيث دوافعه النفسية، بحيث نجد دوافعه تلك طابعا فريدا مميزا له عن بقية الأشخاص.
إنني حين قرأت هذه القصة أحسست بنفس الدوار الذي يصيبني وأنا مقيم في القرية، وهو دوار ينشأ من ملل التكرار؛ فأهل القرية كخلية النحل الواحدة؛ متفرقة الآحاد، لكن آحادها تلك متصلة بمجموعها أوثق اتصال، وهي لا تنفك تدور وهي تطن، وتطن وهي تدور، حتى لا يبقى في ذاكرتك منها إلا طنين متشابه.
وقد وفقت القصة حقا في أن تحيي قارئها في قرية بكل هذه الصفات، لكنها إذ تصف كيف يلتقي الناس بعضهم ببعض، وكيف يتحدثون بعضهم إلى بعض، لا أظنها قد نجحت في أن تنفذ بقارئها إلى ما وراء ذلك من «نفوس».
فكاتبها أقرب إلى الاجتماعي الذي يقدم نموذجا من حياة تجتمع فيها طائفة من الناس في ظروف معينة، منه إلى السيكولوجي الذي يبحث في الآلة الدائرة عن عجلاتها وتروسها.
أحسست وأنا أقرأ القصة أنني لست إزاء أفراد، بل إزاء كل واحد، كأنما هي شجرة يتطلع إليها المتطلع في مجموعها دون أن يقف بنظره عند هذه الورقة من أوراقها أو هذا الفرع من فروعها، لعله يجد فيه أو فيها ما يميزه من سائر الفروع، ويميزها من سائر الورق !
نعم، إن ذلك نفسه حسنة تحسب للكاتب من إحدى وجهات النظر؛ إذ ربما كانت هذه هي الحياة القروية وما تتركه في نفس ساكنها من أثر.
Página desconocida