En tiempos de ocio
في أوقات الفراغ: مجموعة رسائل أدبية تاريخية أخلاقية فلسفية
Géneros
اتفق مرة أن سافر أبواي إلى الريف وخرج إخوتي في صبيحة الجمعة على أن لا يعودا إلا في المساء، وبقي البيت لا يؤنسني فيه إلا الخادمة المشتغلة بتدبير أمرنا. فقلت: أخرج أنا الأخرى لعلي أجد في الشوارع وفي زجاج الدكاكين ما أصرف فيه قسما من وقتي. ونزلت فإذا عبد العزيز عند الباب واقفا وعليه أثر الحيرة. فلما تهادينا تحيات الصباح وسألته عن أمره أخبرني أنه يريد أن يخرج ولكن لا يعرف إلى أين. وما كاد يعلم أني في الموقف عينه حتى سألني إذا كنت لا أجد غضاضة في أن يصحبني إلى حديقة الجزيرة.
كنا إذ ذاك في أوائل الربيع والأشجار يملأ عطر أزهارها كل الأماكن الخلوية. فأجبته إلى ما طلب ونفسي ملأى بالسرور. كما أن حلاوة حديثه وجمال نفسه جعلاني أصحبه وكلي ابتهاج وبشر.
دخلنا الحديقة وجعلنا نطوف في طرقاتها، وبإحساس لم أفهمه وأحسبه هو الآخر لم يفهمه جعلنا نقصد الأطراف الخالية من جوانبها حتى وصلنا في ركن بعيد إلى شجرة كبيرة امتد ظلها على الحشيش تحتها. ومن خلال سور الحديقة جعلنا نرقب العربات القليلة التي تمر في الشارع، ونحد بصرنا أحيانا فيقع على زجاج النوافذ القائمة على الضفة المقابلة من النهر وقد ألهبه شعاع الشمس نورا.
وندير رأسنا فتتقابل نظراتنا فأحس كأن في عينيه معنى لم أكن أعرفه من قبل أو كأنهما تكنان سحرا، نفذ به إلى قلبي - وكأنه أحس هو الآخر بمثل ما أحسست فلم نتبادل كلمة، بل قمنا ساعة رأينا الشمس تنحدر وراء الأشجار، فرجعنا إلى دارنا وافترقنا عند بابها إذ ذهب هو لبعض أمره.
من ذلك اليوم تغيرت معرفتنا الأولى، ومن ذلك اليوم جاهدت أن لا أراه، وجعل هو الآخر يتجنب ما استطاع مقابلتي.
مر بعد ذلك زمن ولم نتقابل فيه إلا مرة واحدة على السلم ولم نتبادل تحية ولا كلمة.
ثم رأيت أمي تحوم في كلامها معي حول موضوع زواجي بشخص لا أرى ضرورة لتسميته الآن، وكل ما أقوله عنه أني لم أعرفه ولم أره من قبل، ولكن تبين لي من إلحاح أمي أن لأبي مصلحة في هذا الزواج. فعملت جهدي حتى تعرفت بعض أمره فإذا هو شخص أرى عارا أن ينتسب أبنائي له. وصرت كلما ألحت أمي ازددت منه اشمئزازا. فلما رأيت أن قد كاد يقرر أبي أمر زواجي به نهائيا بلغ بي اليأس أقصى حدوده.
حينذاك أخذت بنفسي رغبة شديدة متحكمة أن أرى عبد العزيز بعد ثلاثة أشهر من زمن التهاجر بين شخصينا، وإن لم يغب عن بالي يوما ذكره.
كنت أعلم أنه ساعة الظهر يتناول طعام الغداء في الدار وحده. فصممت على أن أنزل إليه في تلك الساعة أندب له حظي علي أجد في كلمة منه عزاء. وزادني تمسكا بعزمي أني ساعة خرجت من باب مسكننا رأيت خادمه نازلا ليشتري لا شك بعض الشيء مما يخص البيت. لكنني شعرت بقشعريرة لبستني ساعة وقفت على بابهم، ولم أستطع حراكا. فلما عاودني سكوني ترددت في أن أدخل أو أرجع أدراجي. ففيما أنا في ترددي انفتح الباب وظهر أمامي عبد العزيز.
عرتني رعشة من جديد، وتولاني خجل شديد. لكني لم أستطع أن أمنع نفسي عن أن ألقي بكلي بين يديه باكية منتحبة.
Página desconocida