ومن المظاهر المقترنة بهذا الشعر الحديث ألوان من التصوف العلمي بدل المبهمات والمعميات التي تشبع بها الشعر القديم، كما في قصيدة «الأشعة الكونية» وأخواتها، ومن أوضحها التصوف النوعي الذي يرى فيه الشاعر طمأنينته وخلاصه من أسر الفناء فيقول في تأسيه:
إني لملك لنوعي
15
لست أجحده
ولو جزائي ضراء وضراء
في عزلة كصلاة لا انتهاء لها
حين الطبيعة بكماء وغناء
أعطي زكاة حياتي ما أخلصه
من الحياة وأعطي الحب من شاءوا
ومن الظواهر الطيبة أن يحفل شعراء الجيل الناشئ أو على الأقل طليعته بهذه الروح التصوفية وبشعر الطبيعة عامة، وأن يقرنوا شعر الطبيعة بحب الزراع ومواطنهم الريفية. وأذكر أن هذا اللون كان ينتقد على شعري أثر عودتي من إنجلترا بعد غيبتي الطويلة، وكان بين أصدقائي من يدهشه عنايتي الخاصة بالفلاحة وبمشاهد الريف المصري وحنيني إلى موطن أسرتي في بلدة «قطور». ولعل شعوري هذا هو ما جعلني أعجب بشعراء الشباب الذين عطفوا على مواطنهم الريفية وأعلنوا شغفهم بها فجزيت محبتهم هذه بكل ما أملك من تشجيع. وإن أنس لا أنس في هذا المقام تقدير الشاعر الأرلندي العظيم أوليفر جولد سمث للزراع في قصيدته «القرية المهجورة»، فهم بلا شك العمود الفقري لكل أمة زراعية وفي عزتهم عزتها، والديمقراطية الصحيحة تبدأ بهم، ونهضتهم التعاونية هي سر نهضة الشعب وقوميته. وهذا الإيمان بالفلاحين وبالحضارة الريفية هو الباعث لشعري عنهم المتمشي في دواويني المختلفة، وفي هذا الديوان حظ منه في صور منوعة بين خاصة تمسهم مباشرة وعامة في ألوان من الشعر القومي.
Página desconocida