Fatwas of Sheikh Muhammad Al-Amin Al-Shanqiti
من فتاوى العلامة محمد الأمين الشنقيطي
Géneros
منهم، فإنهم يقولون، إن محل العقل الدماغ، وشذت طائفة من متأخريهم فزعموا أن العقل ليس له مركز مكاني في الإنسان أصلًا، وإنما هو زماني محض لا مكان له، وقول هؤلاء أظهر سقوطًا من أن نشتغل بالكلام عليه.
ومن أشهر الأدلة التي يستدل بها القائلون إن محل العقل الدماغ: هو أن كل شيء يؤثر في الدماغ يؤثر في العقل، ونحن لا ننكر أن العقل قد يتأثر بتأثر الدماغ، ولكن نقول بِمُوْجَبِه، فنقول: سَلَّمْنَا أن العقل قد يتأثر بتأثر الدماغ، ولكن لا نسلم أن ذلك يستلزم أن محله الدماغ، وكم من عضو من أعضاء الإنسان خارج عن الدماغ بلا نزاع، وهو يتأثر بتأثر الدماغ كما هو معلوم، وكم من شلل في بعض أعضاء الإنسان ناشئ (من) (^١) اختلال واقع في الدماغ، فالعقل خارج عن الدماغ، ولكن سلامته مشروطة بسلامة الدماغ، كالأعضاء التي تختل باختلال الدماغ، فإنها خارجة عنه مع أن سلامتها (يشترط) (^٢) فيها سلامة الدماغ كما هو معروف (^٣)، وإظهار حجة هؤلاء والرد عليها على الوجه المعروف في آداب البحث والمناظرة (^٤)، أن حاصل دليلهم أنهم يستدلون بقياس منطقي من الشرطي المتصل المركب من شرطية متصلة لزومية واستثنائية يستثنون فيه نقيض التالي فينتج لهم في زعمهم دعواهم المذكورة التي هي نقيض المُقَدَّم، وصورته أنهم يقولون: لو لم يكن العقل في الدماغ لما تأثر بكل مؤثر على الدماغ، لكنه يتأثر بكل مؤثر على الدماغ، ينتج العقل في الدماغ، وهذا الاستدلال مردود بالنقض التفصيلي الذي هو المنع، وذلك بمنع كُبْرَاهُ التي هي شرطيته، (فبقول) (^٥) المانع: (امنع) (^٦) قولك: "لو لم يكن العقل في الدماغ لما تأثر بكل مؤثر (على) (^٧) الدماغ"، بل هو خارج عن الدماغ مع أنه يتأثر (بتأثر) (^٨) الدماغ كغيره من الأعضاء التي تتأثر بتأثر الدماغ، فالربط بين التالي والمقدم غير صحيح، والمحل الذي يتوارد عليه الصدق والكذب في الشرطية إنما هو الربط بين مقدمها وتاليها، فإن لم يكن الربط صحيحًا كانت كاذبة، والربط في قضيتهم المذكورة كاذب، فظهر بطلان دعواهم، وهناك طائفة ثالثة، أرادت أن تجمع بين القولين (^٩)، فقالت: إن ما دلَّ عليه الوحيُ من كون محل العقل هو القلبَ = صحيح، وما يقوله الفلاسفةُ ومَنْ وافقهم من أن محله الدماغ = صحيح أيضًا، فلا منافاة بين القولين، قالوا: ووجه الجمع أن العقل في القلب كما في القرآن والسنة، ولكنَّ نوره يتصاعد من القلب فيتصل بالدماغ، وبواسطة اتصاله
_________
(^١) في (أ): (عن).
(^٢) في (أ): (مشروطة)، ولعلها اشتبهت عند النقل بالتي قبلها.
(^٣) قال القاضي أبو يعلى في كتابه العدة في أصول الفقه (١/ ٩٣): "وما ذكروه من زوال العقل بضرب الرأس، فلا يدل على أنه محله، كما أن عصر الخصية يزيل العقل والحياة، ولا يدل على أنها محله، وقول الناس: إنه خفيف الرأس وخفيف الدماغ فهو أن يبس الدماغ يؤثر في العقل، وإن كان في غير محله، كما يؤثر في البصر وإن كان في غير محله"، وراجع: التمهيد لتلميذه أبي الخطاب (١/ ٤٨).
(^٤) انظر "آداب البحث والمناظرة" للمؤلف -برد الله مضجعه- (١/ ٩٢، ٩٣)، وقال الشيخ ﵀ عن القضية الشرطية وأقسامها في منظومته نور الهدى:
شرطية ما ركبت من جملتين ... فطرفاها ضمنا قضيتين.
والحكم فيها أبدًا معلق ... كلو بدت سلمى لزال القلق.
وانقسمت هذي إلى متصلة ... لدى الشيوخ وإلى منفصلة
وطرفا هذي بكل حال ... لديهم مقدم وتالي
وذات الاتصال ما قد حكما ... بصحبة التالي بها المقدما
مقدم الشرطية المتصلة ... مهما تكن صحبة ذاك التالي له
لموجب قد اقتضاها كسبب ... فهي اللزومية ثم إذ ذهب
موجب الاصطحاب ذا بينهما ... فالاتفاقية عند العلما
(^٥) في (أ): (فتقول).
(^٦) في (أ): (منع).
(^٧) في (أ): (في).
(^٨) في (أ): (بكل مؤثر على) بدلًا منها.
(^٩) نقل القاضي أبو يعلى في العدة (١/ ٨٩) عن أبي الحسن التميمي ﴿راجع ترجمته في النجوم الزاهرة (٤/ ١٤٠)، والمنهج الأحمد (٢/ ٦٦)﴾ في كتابه العقل، أنه قال: "الذي نقول به: إن العقل في القلب، يعلو نوره إلى الدماغ، فيفيض منه الحواس ما جرى في العقل"، وجاء عن غيره، راجع: شرح الكوكب المنير (١/ ٨٤)، والمسودة (ص ٥٥٩).
1 / 5