قد أكثروا الكلام في هذا البيت. وقوله تشبيهي بما. وقالوا (ما) ليس من حروف التشبيه ولم يؤت في الجواب بطائل. فأما ابن جني فقال: الذي كان يجيب به إذا سئل عن هذا أن يقول تفسيره فكأن قائلا قال بما يشبه فيقول الآخر كأنه الأسد، أو كان الأرقم، أو نحوه ذلك. فقال هو معرضًا عن هذا القول أمط عنك تشبيهي بما وكأنه فجاء بالحرف للتشبيه وهو كأن. وبلفظ ما التي كانت سؤالا فأجبت عنها بكأن التي هي للتشبيه فذكر (ما) في التشبيه لأن جوابها تضمن التشبيه فكانت سببًا له. فذكر السبب والمسبب جميعًا. وقد فعل أهل اللغة مثل هذا فقالوا: الألف والهمزة في حمراء هما علامة للتأنيث وإنما العلامة في الحقيقة الهمزة وحدها. ولكن الهمزة لما صاحبت الألف التي قبلها قيل هما جميعًا للتأنيث. هذا كلام الشيخ
أبو الفتح. وقد حكيت لي حكاية هذا موضعها.
زعموا أن أبا العباس المبرد ورد الدينور زائرًا لعيسى بن ماهان، فأول ما دخل إليه وقضى سلامة قال له عيسى بن ماهان: أيها الشيخ ما الشاة المجثمة التي نهى النبي صلى الله عليه عن أكل لحمها فقال: هي الشاة القليلة اللبن مثل اللجبة. فقال: هل من شاهد فقال نعم قول الراجز:
لم يبق من آل الحميد ... إلا عنيز لجبة مجثمة
فإذا بالحاجب يستأذن لأبي حنيفة الدنيوري، فأذن له فلما دخل،