ويستشكل من هذا اللفظ أنه يقتضي (١) وجود محبة الأمرين - أعني: الإلقاء في النار والرجوع إلى الكفر -، وترجع محبة الأول على الثاني، ووقع مثله في القرآن في قوله تعالى حاكيا عن يوسف ﵇ ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ [يوسف: ٣٣] ومثله قول علي ﵁: إذا حدثتكم عن رسول الله ﷺ فلأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي من أن أكذب عليه (٢) . ويجاب عن ذلك: بأن من خير بين أمرين مكروهين فاختار أحدهما على الآخر لشدة كراهته لما رغب عنه فإنه يقال: إنه محب لما اختاره مريد له وإن كان لا يحبه ولا يختاره لنفسه، بل لدفع ما عنده أشد كراهة وأعظم ضررا. ومن هنا ورد ما ورد من حب الموت في الفتنة والتخلص منها. وقيل لعطاء السليمي: لو أججت نار وقيل: من دخلها نجا من جهنم هل كنت تدخله؟ فقال: بل كنت أخشى أن تخرج نفسي فرحا بها قبل وصولي إليها (٣) ويشبه هذا حال المكره على فعل بضرب أو سجن أو تهديد أو بقتل ونحو ذلك إذا فعله افتداء لنفسه مما أكره عليه هل هو مختار له أم لا؟ وفيه اختلاف مشهور بين الأصوليين.
والتحقيق: أنه مختار له، لا لنفسه، بل للافتداء به من المكروه