Un capítulo en la historia de la revolución urabí
فصل في تاريخ الثورة العرابية
Géneros
البطل المصري الشهيد محمد عبيد
وقف هؤلاء الأربعة بفرقهم مستبسلين وكان مجموعها لا يزيد عن ثلاثة آلاف، وكان أكثرهم بسالة وإقداما محمد عبيد بطل الهجوم على قصر النيل، فقد وقف للإنجليز برجاله السودانيين وأوقف زحفهم وقاتلهم قتالا شديدا فني فيه معظم رجاله، فتقدم واستقبل الموت راضيا مرضيا، وذهب شهيد وفائه وبطولته. ويلي محمد عبيد في البسالة حسن رضوان قومندان الطوبجية الذي أصلى الإنجليز نارا حامية بمدافعه، وأوقع بهم على تفوقهم خسائر جسيمة حتى سقط جريحا في الميدان. ولما حمل أسيرا إلى ولسلي، وأقبل يقدم له سيفه لم يشأ ولسلي أن يأخذه منه احتراما له وأثنى على بسالته.
حسن رضوان من أبطال معركة التل الكبير.
وبلغ قتلى المصريين نحو ألفين، أما الجرحى فلم يحص عددهم لفرارهم، وأما الإنجليز، فقد قتل منهم سبعة وخمسون منهم تسعة ضباط، وجرح أربعة مئة منهم سبعة وعشرون من الضباط، وقد غنم الإنجليز مدافع الجيش المصري ومهماته وذخائره.
وفي هذه الأثناء اتجه عرابي نحو الميدان، وكان يوجد نحو ألفين من الرجال على مقربة من خيمته فدعاهم ليذهبوا معه، ولكن كان أكثرهم من الاحتياطي فولوا الأدبار خائفين، وعبثا حاول عرابي أن يوقف فرار الفارين من المعركة، واقترب الإنجليز حتى صاروا على نحو ستة مئة متر من خيمته، وأطلقوا عليها قذيفة أطارتها في الهواء. وألح عليه خادمه محمد سيد أحمد أن ينجو بنفسه إذ لا فائدة من القتال، ولوى عنان فرسه بالقوة، ويذكر جون نينيه في كتابه أن الذي حمل عرابيا على طلب النجاة هو طبيبه قال: «وكنت بجانب عرابي وبيدي بندقية، ولما أوشك الإنجليز أن يطبقوا على عرابي رجوته في الثبات فاستعد للموت والاستشهاد، ولكن طبيبه الدكتور مصطفى بك نصح له بالفرار على صهوة جواده».
وفر عرابي لا لينجو بنفسه؛ ولكن كي يدافع عن القاهرة كما سنبينه، وما أشبه فراره هذا بفرار نابليون من ميدان وترو ليدافع عن باريس.
وقبل أن نذكر ما فعل عرابي للدفاع عن القاهرة، نرى ألا بد من الكلام عن مسألة يوردها دائما مؤرخو الاحتلال ساخرين بها من عرابي، كما سخروا من دعوى انخداعه بأقوال دي ليسبس، ألا وهي أنه سهر طول ليلة المعركة في حلقة ذكر مع جيشه! وفي قراءة الأدعية مع رجال الطرق الصوفية، فلم ينم العساكر وبذلك لم يستيطعوا الحرب في الصباح!
ألا ليت هؤلاء صدقوا! إذن لما استطاع العدو أن يباغت المصريين وهم نيام. وإذا صح أن عرابيا قد استدعى عددا من رجال الطرق الصوفية، فأرسلهم إلى الفرق في مراكزها يثيرون حماستهم في الله والوطن، وهذا ما حدث فعلا، فما وجه العيب في ذلك؟
وأي فرق بين أن ينشد رجال الدين بين الفرق أناشيدهم الدينية يقصدون بها إثارة حماستهم، وبين الأناشيد التي يهتف بها الجند في الجيوش الحديثة جمعاء؟ وما الغرض من الموسيقى الحربية والخطب والنشرات؟ أليست كلها وسائل تبعث الروح الوطنية في الجند، وتهز عواطفهم النبيلة للفداء والنضال؟ وإذا لجأ عرابي إلى الوسائل كانت التي تتفق مع البيئة، ومع العصر وهي لا تخرج في جوهرها، وفي الغرض منها عن وسائل الجيوش الحديثة، فلماذا يعد ذلك مما يسخر به منه، ولا يعد من أدلة انتباهه إلى كل ما عسى أن يكسبه النصر؟
ومن أحسن ما يذكر في هذا الصدد أن هذه الحملة الإنجليزية بالذات قد أقيمت لها الصلوات عند خروجها من إنجلترة، وباركها كبير الأساقفة مع عدد من رجال الدين، وقد أورد ذلك هوبرت سبنسر في كتابه «أصول علم الاجتماع»، ومن أجمل ما علق به على ذلك قوله: إن «هذه الحملة كانت موجهة إلى قوم يحاربون في سبيل الحرية والاستقلال».
Página desconocida