د - مبحث في القراءات:
وحيث إن القراءات قد شملت حيزًا كبيرًا من هذا الكتاب - كما ذكرت من قبل - فلا بد أن أقدم لها ولو بكلام موجز، يجلي بعض جوانبها، فأقول ومن الله أستمد العون:
اختلاف القراء - عدا عن مجيء النص بإباحته - أمر طبَعي في قوم ينطقون بلهجات متعددة، ويتكلمون بحروف فيها بعض التباين، فجاء الشارع الحكيم على ما هم عليه دفعًا للكلفة، ورفعًا للحرج ..
جاء في الحديث الشريف المتفق عليه أن رسول الله ﷺ قال: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه" (١). وفي لفظ مسلم من حديث أُبي بن كعب ﵁ "أن النبي ﷺ كان عند أضاة بني غفار، قال: فأتاه جبريل ﵇ فقال: إن الله يأمرك أن تَقْرأ أمتُك القرآن عى حرف، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا" (٢).
قال ابن قتيبة: وكل هذه الحروف كلام الله تعالى، نزل به الروح الأمين على رسوله ﷺ، وذلك أنه كان يعارضه في كل شهر من شهور رمضان بما اجتمع عنده من القرآن، فيحدث الله إليه من ذلك ما يشاء، وينسخ ما يشاء، وييسر على عباده ما يشاء، فكان من تيسيره أن أمره بأن يُقرئ كل قوم
_________
(١) أخرجه البخاري في فضائل القرآن، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف (٤٩٩٢) ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف (٨١٨).
(٢) أخرجه مسلم في الكتاب والباب السابقين (٨١٨). والأضاة: اسم مكان فيه ماء.
1 / 25