Discusiones en Filosofía de la Ética
مباحث في فلسفة الأخلاق
Géneros
الإغريقية، ومعناها العادة.
من أجل هذا عرفه بعض العلماء بأنه «علم العادات»، وهو تعريف تعوزه الدقة؛ لأن علم الأخلاق لا يبحث قط في أعمال الناس الإرادية التي صارت عادات وتقاليد على اختلافها باختلاف الأمم والأيام، إنما يبحث في توجيهها الطريق السوي طبقا لقواعده وقوانينه، وفي الحكم لها أو عليها حسب مقاييس الخير التي يضعها.
وهناك تعريف آخر لأحد الكتاب الفرنسيين الأعلام وهو باسكال
1
وهو : «الأخلاق علم الإنسان»، تعريف جميل جذاب، جر هذا الفيلسوف إليه أن الأعمال التي هي مناط البحث والحكم الأخلاقي هي أعمال الإنسان؛ ولكنه يتسع حتى يتناول بين دفتيه العلوم الإنسانية المتعددة، كعلم المنطق والنفس والتاريخ والقانون، وما إليها من العلوم التي تتخذ الإنسان من نواحيه المادية أو المعنوية محورا لبحوثها؛ لهذا لا يسعنا أن نرضى بهذا التعريف أيضا.
كذلك نرى له تعاريف أخرى جرت على ألسنة غير هؤلاء من الباحثين، منها أنه «علم الخير والشر»؛ لأنه يميز بينهما ويفصل معنى كل منهما، وأنه «دراسة الواجب والواجبات»؛ لأنه يعرفنا الواجب الذي ننزل على حكمه فيما نأتي ونذر، ويهدينا لما علينا من واجبات نحو أنفسنا وغيرنا وخالقنا. وكل من هذين التعريفين وإن كان صحيحا إلا أنه غير كاف، دراسة الخير والشر لا تغني عن دراسة الواجب الذي نسير على هديه، ولا عن دراسة الواجبات التي علينا أن نقوم بها، كذلك دراسة الواجب والواجبات ليست كافية لتحديد الأخلاق التي تبحث أيضا في الخير والشر، وماهية كل منهما، والمقاييس التي نزن بها الأعمال لبيان خيرها وشرها، ولنا أن نقول: إن هذين التعريفين يكون مجموعهما (بشيء من التأويل) تعريفا صحيحا مضبوطا.
وأخيرا، إذا أردنا تعريفا دقيقا لعلم الأخلاق، لنا أن نقول: «إنه علم القواعد التي تحمل مراعاتها المرء على فعل الخير وتجنب الشر، ويصل بالعمل بها للمثل الأعلى للحياة»، أو «علم القواعد التي تسير عليها إرادة المرء الكامل في أعماله ليصل للمثل الأعلى»، ذلك أن الأخلاق لا تبحث في حياة الناس الراهنة، أي من ناحية أعمالهم على ما هي عليه، بل من ناحية أعمالهم على ما يجب أن تكون عليه، أي في الحياة التي يجب أن يحيوها ليحققوا ما خلقوا له من الكمال.
ولا يبحث علم الأخلاق عن الأعمال الإنسانية من حيث القوانين والنواميس الطبيعية التي تجري على سننها، فقد تكلفت بهذه الناحية العلوم الطبيعية، ولا من حيث إقرار الجماعة التي يعيش المرء بينها لها أو إهدارها إياها، فذلك بحث القانون، ولا من ناحية ما رتب عليها من ثواب أو عقاب في الدنيا والآخرة، فهذه ناحية بحث العلوم الدينية؛ إنما يبحث علم الأخلاق في أعمال الإنسان الإرادية من ناحية مطابقتها للخير أو الشر، وفي توضيح معنى كل منهما، وهو بهذا يهدينا سواء السبيل، ويرشدنا إلى الغاية التي يجب أن نقصدها من أعمالنا. (2) موضوعه
موضوع كل علم هو مباحثه التي يعنى بدراستها. ونظرة إلى علم الأخلاق باعتباره فرعا من فروع الفلسفة ترينا أنه يتخذ هدفا لبحوثه مسائل عديدة هي التي تكون موضوعه، نراه يبحث في الخير والشر: ما هما؟ وما الفرق بينهما؟ وما هو المعنى الذي يلاحظ في هذا العمل فيكون خيرا، وفي ذاك فيكون شرا؟ وما هي ماهية الضمير الأخلاقي الذي به نقف على الخير والشر؟ وهل هو قاض معصوم، وهاد لا يضل في حكمه؟ وما هو الحق والواجب؟ وما هي الواجبات المختلفة؟ وما هو المثل الأعلى الذي يجب أن نتجه جميعا لتحقيقه؟ وأخيرا: ما هي القواعد التي تؤدي رعايتها وعدم الحيدة عنها للخلقية المثالية الكاملة؟
من هذا يتبين أن موضوع علم الأخلاق هو الأعمال الإنسانية الإرادية، أي الصادرة عن تفكير وإرادة من هذه النواحي المتشعبة كلها، ونقول «الأعمال الإرادية» لأن هناك أعمالا تصدر عن المرء وليست في شيء من موضوع الأخلاق.
Página desconocida