Discusiones en Filosofía de la Ética
مباحث في فلسفة الأخلاق
Géneros
9
هذه كانت عقلية كبار الأحلام في تلك الأيام! ولكن في أيامنا هذه يعتبر عدم التسامح سبة وجريمة أخلاقية مهما كان سببه ومأتاه، العقول الحرة تجده مرذولا، وأغلبية رجال الأديان يمقتون استعمال الإكراه في سبيل نشر ما يعتقدون.
وإذا كانت النظريات والآراء الأخلاقية تختلف في الأمة الواحدة باختلاف الزمن، فهي كذلك مختلفة في الزمن الواحد باختلاف البيئات، بينما نرى هذه الأيام الناس الذين على الفطرة كسود أستراليا يعتقدون القداسة لحيوانات ونباتات معينة، فيكون الموت عقاب من يجرؤ على أكل شيء منها، كما نرى البراهمة في الهند يقدسون البقرة ويعتبرون أكبر الجرائم قتلها أو الأكل من لحمها، وتقوم المعارك الدامية بينهم وبين المسلمين هناك لهذا السبب. بينما نرى هذا وأمثاله، نرى كثيرا من سود أفريقيا يستحلون بل يفضلون أكل لحوم البشر من أعدائهم الذين سقطوا في ميدان القتال، أو عبيدهم الذين يعنون بتسمينهم حتى يكون منهم غذاء دسم شهي، أو أقاربهم الذين نالت منهم السنون وعجزوا عن احتمال أعباء الحياة.
10
في مقابل هذا نجد بعض البوذيين الدينيين كرهبان الهند الصينية يعتبرون قتل أي كائن حي مهما كان جريمة شنيعة، ويصل الأمر إلى أن يرشح الرهبان مياه الشرب حتى لا يبتلع أحدهم أثناء شربه أية حشرة حقيرة غير مرئية فيتسبب في قتلها. أما نحن فنتخذ موقفا وسطا بين الفريقين المتطرفين، فاحترام الحياة الذي يعده هؤلاء الرهبان حقا مقدسا لكل حي لا نعده كذلك إلا للآدميين، ولا يعترف به أولئك المتوحشون إلا لعدد قليل كأسرة الشخص أو قبيلته أو أهل قريته.
كذلك الانتحار الذي يحرمه الدين الإسلامي وتنكره المدنية الأوروبية الحالية، يعده اليابانيون تقليدا وطنيا طيبا، يكون واجبا في كثير من الحالات؛ ينتحر الواحد منهم حين يرى أنه تجرد من شرفه أو عانى سقوطا فاضحا كبيرا، أو احتجاجا ضد مظلمة ارتكبت، أو نحو ذلك من العوامل الأخرى التي تجيزه في رأيهم.
ذكر الأستاذ شالي
Chalaye
في كتابه «اليابان المصورة» كثيرا من حالات الانتحار للعوامل المختلفة، منها أن ضابطا انتحر سنة 1891 للفت نظر الحكومة والرأي العام إلى تعدي الروسيا على بعض النواحي في شمال اليابان، وأنه في 14 سبتمبر سنة 1912 انتحر أحد الضباط الكبار هو وزوجته أثناء سير جنازة الإمبراطور إظهارا لإخلاصهما له وعدم رغبتهما في الحياة بعده.
من الممكن مضاعفة هذه المثل والإتيان بغيرها مستمدة من حياتنا اليومية في الصعيد أو الوجه البحري مثلا من مصر، وخاصة فيما يتصل بالأفراح والمآتم وعادة أخذ الثأر والانتقام، مما يؤكد أن الآراء والأحكام الأخلاقية تتغير مع الزمن، وتختلف مع الأوساط والبيئات، ولكن هل من الحق رغم تضافر هذه الشواهد كلها أن ننكر أن هنا حقائق أخلاقية عامة؟ (4) الحقائق الأخلاقية
Página desconocida