La filosofía: sus tipos y problemas
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
Géneros
7
عوامل ثلاثة في الانتقاء الطبيعي : على الرغم من أنه قد ظهرت بعد دارون عدة كشوف علمية أدت إلى إدخال تعديلات في تفاصيل أعماله، فإن هذه الأعمال تستحق الدراسة بوصفها أكثر من مجرد مرحلة تاريخية في العلم. فقد كان دارون، شأنه شأن أي عالم آخر، يبحث عن وسيلة يستطيع بها تفسير الطريقة التي تحدث بها التغيرات في الأنواع. ولما كان يعتقد أن لديه من الأدلة ما يجعله موقنا بأن مثل هذه التغيرات تحدث بالفعل، فقد تركزت جهوده الأساسية في بحث الوسيلة التي يتم بها هذا التغير. فلاحظ أن العملية الفعلية تنطوي على ثلاثة عوامل منفصلة: الصراع من أجل الوجود، والتنوعات بين أفراد النوع الواحد، ونقل هذه التنوعات عن طريق الوراثة. ومن الضروري إلى أقصى حد أن نفهم هذه العوامل الثلاثة: (1)
إن الصراع من أجل الوجود شيء يكاد يفسر نفسه بنفسه. فنظرا إلى الخصب الهائل للطبيعة، فإن عدد الكائنات العضوية التي تولد يزيد كثيرا على ما تتحمله البيئة الطبيعية. ويؤدي التنافس على الغذاء، الناجم عن هذه الزيادة العددية، بالإضافة إلى خطر الأعداء الطبيعيين الذي يهدد أغلب أشكال الحياة الحيوانية، إلى جعل الحياة صراعا مستمرا من أجل البقاء. ومن الواضح أن هذه مسألة حياة أو موت، فالمنتصر يبقى، والمهزوم يفنى. وليست هناك جائزة ثانية للمهزوم ، أو محكمة عليا يستأنف أمامها، بل إن الصراع مميت لا يرحم وهو يستمر طيلة حياة الفرد . (2)
في هذا الصراع الذي لا ينقطع، يجد كثير من الأفراد ظروفا مواتية لهم، بينما تعاكس الظروف أفرادا آخرين. ومصدر هذه المزايا والمضار هو التنوعات أو الفوارق الفردية التي توجد داخل أي نوع. ولم يكن في استطاعة دارون تقديم تفسير لهذه التنوعات، غير أن وجودها كان حقيقة لا تقبل الجدل. (ولقد كان دارون يعتقد أن هذه التنوعات ضئيلة جدا، وتلك نقطة حدث فيها تغير من أهم التغيرات التي أدخلت على النظرية بعد دارون.) ولكن، أيا كان سبب هذه التغيرات، فإنها تنفع الفرد المحظوظ من حيث إنها تعطيه مزيدا من السرعة أو القوة، أو مخالب أو أنيابا أشد حدة، أو ألوانا أفضل تحميه، أو أية صفة جسمية أخرى تفيد في بقاء الحيوان. ونتيجة ذلك هي أن احتمال بقائه يزيد، كما تزيد فرصته في كسب المنافسة التي تدور من أجل الحصول على رفيقات في الجنس. وهنا أيضا نجد أن الفرد الذي يتميز بتنوعات غير ملائمة تعمل على إعاقته. قد لا يجد جوائز تعويضية في هذا الصراع، فيكون عليه إما أن يموت جوعا، وإما أن يلتهم، وإما أن تظل حياته في عقم لأنه لا يستطيع كسب رفيقة. (3)
ومع ذلك فإن مجرد اكتساب فارق عفوي يفيد في بقاء الفرد، لا يكفي لتفسير تغيرات النوع، بل إن من الواضح أن هذه التنوعات ينبغي أن تكون قابلة للنقل عن طريق الوراثة، ولولا ذلك لعادت ذريته إلى المستوى العادي للنوع، مهما كانت المزايا التي يتمتع بها الفرد نفسه، ولكان معنى ذلك أن نعود من حيث بدأنا. فمن الواضح إذن أن فرض التطور بأسره يتوقف على إمكان أو عدم إمكان نقل هذه التنوعات عن طريق وسيلة الوراثة العادية. ومن حسن حظ هذا الفرض أن الملاحظة والتجربة قد أثبتتا أن نقل الفوارق المفيدة والضارة هو حقيقة واقعة. وإذن فحتى لو كانت هذه الفوارق شديدة الضآلة يكون واحد من أبوينا قد اكتسبها بالميلاد. وهذا الفارق راجع إلى نوعي كما كان دارون يعتقد، فإن النتيجة التراكمية لعدة أجيال من هذه التنوعات يمكن بسهولة أن تكون نوعا جديدا.
لامارك في مقابل دارون : تشكل العوامل الثلاثة التي عرضناها ما يعرف باسم قانون أو مبدأ الانتقاء الطبيعي. وهناك أمران متعلقان بهذا المبدأ ينبغي تأكيدهما، لا يسما وإنهما ما زالا صحيحين إلى اليوم كما كانا عند نشر كتاب دارون عام 1859م: أولهما هو الاختلاف بينه وبين نظرية لامارك، التي يخلط الناس عادة بينهما وبين فرض دارون. ففي مقابل ما يقول به لامارك من وراثة للصفات المكتسبة؛ أي تلك الناتجة عن التدريب والاستجابة المتكررة بالتعود - يفترض دارون وراثة فوارق عفوية يتصادف أنها تفيد في بقاء الحيوان. وعلى ذلك فنحن لا نرث ما قد يكون آباؤنا قد اكتسبوه بالتمرين من عضلات أو مهارات، ولكنا نستطيع أن نرث - ونرث بالفعل - فوارق في التركيب الجسمي يكون واحد من أبوينا قد اكتسبها بالميلاد، وهذا الفارق راجع إلى نوعي أو نظامي الخلايا التي لدينا، وهي مسألة سنشرحها بعد قليل. والأمر الثاني الذي ينبغي ملاحظته في مبدأ الانتقاء الطبيعي هو صفة «الطبيعي». ففي مذهب دارون نجد تفسيرا كاملا مفصلا لتغيرات نوعية لا يفترض فيها أي نوع من التدخل الخارجي. فالعملية كلها قابلة للتفسير على الأسس الطبيعية الخالصة التي عرضناها الآن، ولا ضرورة فيها لتدخل أية قوة خارجية أو «خارقة للطبيعة».
وأغلب الظن أن هذا الاستغناء عن أي فاعل عاقل أو غائي في عملية التطور، كان هو العامل الأكبر في إثارة المعارضة الأخلاقية والكنسية لكشوف دارون، فقد بدا أن هذه الكشوف توحي بأن الله أقل ضرورة في تدبير الأشياء مما كان يعتقد من قبل. ومع ذلك فمن المستحسن الانتظار حتى نعالج كل النتائج الضمنية لفرض التطور في قسم مستقل سنورده في هذا الفصل فيما بعد. (6) التطور بعد دارون
في خلال الأعوام المائة التي انقضت منذ نشر كتاب دارون الهائل حدثت تغيرات متعددة في تفاصيل النظرية التطورية، على الرغم من أن خطوطها العامة ما زالت تعد دعامات أساسية للعلوم البيولوجية. ولقد كانت معظم هذه التغيرات ناتجة عن اتساع نطاق معرفتنا للعمليات الآلية للوراثة. والواقع أن من أفيد النتائج التي أسفر عنها نشر كتاب «أصل الأنواع» أنه أحدث زيادة كبيرة في كمية البحوث التجريبية في علم البيولوجيا. ولقد وصلت معرفتنا لقوانين الوراثة في الوقت الحالي إلى حد أصبحت معه المصطلحات الفنية، من أمثال «الجين» (المورث) و«الكروموزوم» (الصبغية)، والطفرة
Mutation
والسائد
Página desconocida