La filosofía: sus tipos y problemas
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
Géneros
النتائج الرئيسية للمثالية : هذا التوازي الخاص بين أذهاننا وبين الواقع له عدة نتائج هامة، وهذه النتائج هي التي تكسب المثالية أقوى جاذبية لها بين الناس. ذلك لأننا نستطيع أن نفترض أولا. على أساس الحقيقة القائلة إن أذهاننا المتناهية تعمل على أساس المنطق والنظام والإحكام، أن «الذهن المطلق» يعمل على نفس النحو. ولما كان الكون تجسدا أو خلقا لهذا «الذهن» فلنا أن نتوقع أيضا أن تتكشف بيئتنا الطبيعية عن نفس خصائص النظام والإحكام والمنطق. ومن هذا التوازي نستطيع أن نفترض أن الكون في أساسه يتسم بالمعقولية؛ إذ إنه لما كان هذا الكون من خلق العقل الشامل، فمن الطبيعي أن تكون المعقولية متغلغلة في تركيبه الأساسي. وأخيرا، نستطيع أن نفترض من هذه المعقولية والقابلية للفهم، أن أذهاننا البشرية قادرة على التعامل مع العالم الذي نعيش فيه. فذهننا قادر على فهم العالم لأن كليهما معقول في أساسه، وكلاهما معقول لأنهما يعتمدان على «العقل» الكوني. (2) التمييز بين «المظهر» و«الحقيقة »
إلى هذا الحد وجدنا المثالي يبني حججه على أسس منطقية خالصة. فهذا القدر من مذهبه مستخلص من المصادر الأصلية، وهي أن الكون تجسد «للروح» أو «الذهن». والآن، بعد أن أثبت ذلك، نراه يقفز إلى نتيجة جريئة. فلما كان الكون معقولا ومفهوما، فلا يمكن أن يكون فيه اضطراب أو لامعقولية أو تنافر دائم. فهو ليس معقولا فحسب، وإنما هو كل معقول. فالذهن يعمل في جميع أرجائه، ولا يمكن أن يظل ركن أو جزء من الكون الذي يكمن فيه العقل، بمنأى عن تأثيره الطاغي.
ولكن، مهما تكن هذه النتيجة لازمة منطقيا من المصادرة المثالية الأساسية المتعلقة بالطبيعة الذهنية للواقع، فمن الواضح أنها ليست مستمدة من التجربة اليومية التي يمر بها الرجال والنساء في حياتهم. فاتصالنا اليومي المباشر بالعالم المحيط بنا يكشف لنا عن أمر واقع لا تكاد تربطه صلة بهذا الفرض النظري الجريء؛ ذلك لأن الحياة تبدو في نظر الإنسان خليطا مضطربا من التقدم والتدهور، والانتصار والهزيمة، والحرب والسلام، والجوع والوفرة، والطبيعة العطوف والطبيعة المعادية إلى حد التوحش. وفي حياة الفرد، تكون معقولية الكون وقابليته للفهم أقل حتى من ذلك: فالإحباط والألم والهزيمة تحتل في تجربتنا مكانة لا تقل عن مكانة النجاح والسعادة والانتصار، بل إن أنجح حياة وأكثرها تنظيما، تكشف عن جوانب كبيرة من المعاناة التي لا يبدو لها هدف، ومن الألم الذي لا يبدو له معنى. كذلك فإن أكثر أجزاء طبيعتنا معقولية، وهو ذهننا، يخفق بدوره في تحقيق هذا الشرط النظري كاملا. فخبرته في التبرير (أي في الاهتداء إلى أسباب جيدة لإيجاد مبرر لأفعال أنانية أو شهوانية) لا تقل عن خبرته في الاستدلال العقلي، ونحن - بوصفنا أفرادا - لا نكون مخلوقات عاقلة إلا في أوقات قليلة غير منتظمة. أما الحياة الأقل نجاحا وتنظيما فهي عادة صراع بين اللذة والألم، فالحياة لا تكاد تكون محتملة بالنسبة إلى جزء كبير من الجنس البشري، وهناك ملايين لا يحول بينهم وبين الانتحار إلا إرادة حياة غريزية عمياء ، وأمل خادع يعللهم دائما بغد أفضل لا يأتي أبدا.
أهمية التمييز : إزاء هذه الحقيقة الأساسية للحياة البشرية، يكون لنا أن نتوقع من المثالي دعم موقفه بشيء آخر إلى جانب التجربة المباشرة، إذ إنه أكثر الناس شعورا بأن كسب المناقشة ينبغي أن يكون على أسس أخرى غير هذا الأساس، ولا يمكن أن يهيب المرء بالتجربة عندما تكون الشواهد المستمدة من هذا المصدر غير قاطعة على أحسن الفروض، وسلبية إلى أبعد حد على أسوئها. وهكذا فإن المثالي، لكي يواجه مشكلة إثبات أن الكون معقول ومنسجم على الرغم من كل الشواهد المضادة، يضع أولا تمييزا له أهمية كبرى في تفكيره، وأعني به التمييز بين المظهر والحقيقة.
هذا التمييز يرتبط ارتباطا وثيقا بقدر كبير من تجاربنا الشائعة. فالمثالي يؤكد مدى الخلط الذي نقع فيه بين المظهر والحقيقة؛ إما نتيجة للإهمال في الملاحظة، وإما لعدم كفاية التفكير. كذلك فإننا كثيرا ما نظن أننا قد تغلغلنا من وراء المظاهر السطحية للأشياء، ونفذنا إلى ما نعتقد أنه هو الحقيقة ذاتها ثم نجد أن هذه الحقيقة الموهومة ليست إلا مظهرا لحقيقة أعمق منها وأهم - ونظل نسير هكذا حتى يكون لدينا سلم كامل من «الحقائق» التي لا يكون كل منها إلا «مظهرا» لحقيقة أعمق. غير أن كل سلم كهذا ينطوي ضمنا على نقطة نهائية من نوع ما. ومن هنا يظهر حتما السؤال: ما هي الحقيقة النهائية؟ ألا يجوز أنها شيء يختلف تماما عن المظهر السطحي «للأشياء كما هي»؟ وفضلا عن ذلك، فلما كان من الممكن أن نخطئ كثيرا في تجربتنا اليومية، فهلا يجوز (بل يرجح) أن نكون قد ارتكبنا خطأ جسيما في حق الواقع الحقيقي إذا ما تركنا الاضطراب واللامعقولية الظاهرين في العالم يؤثران فينا؟
من الضروري أن نوضح أن المثالية تتجاوز بكثير ذلك التمييز الذي نقول به في موقفنا الطبيعي دائما بين المظهر والحقيقة. عندما نقول مثلا أن منظرا مسرحيا يظهر كأنه شارع في مدينة، اصطفت على جانبيه الأبنية، ولكنه في الحقيقة قطعة من القماش المرسوم، فإننا نقارن شيئا ماديا ملاحظا (هو القماش) بشيء آخر ملاحظ أو قابل للملاحظة، هو الشارع. وهكذا فإن التقابل الذي نضعه بين المظهر والحقيقة يظل داخلا في إطار التجربة، ويكون كل من طرفي هذا التقابل تجريبيا بنفس المقدار، وقابلا للبحث والتحقيق بنفس المقدار أيضا؛ فمن الممكن إصدار أحكام لها معناها، وقابلة للاختيار، عن كل منهما، ومن الممكن تحقيق هذه الأحكام. وباختصار فالمظهر والحقيقة هما معا. في هذه الحالة، وقائع في التجربة.
ولكن المثالية تقوم بتمييز أعمق وأجرأ بكثير - وأعني به التمييز بين العالم التجريبي أو القابل للملاحظة («المظهر») وبين «الحقيقة» الترنسندنتالية أو غير التجريبية. ومعنى ذلك أن المثالي على استعداد لأن يضفي على شيء ليس غير ملاحظ فحسب، بل هو أيضا غير قابل للملاحظة، قدرا من الحقيقة يفوق ذلك الذي ينسبه إلى العالم المادي الذي نعيش فيه. ومن الواضح أن هذا هو عكس الرأي الذي نقول به في موقفنا الطبيعي، وهو الرأي القائل إن الأشياء المادية هي أكثر الأشياء التي نعرفها حقيقة، وهي التي يبدو أي شيء «ذهني» أو «روحي»، بالقياس إليها، أشبه بالمظهر. ومن المؤكد أن الجرأة التي تنطوي عليها هذه الفكرة تضفي على المثالية، في نظر أناس عديدين، قدرا كبيرا من سحرها وجاذبيتها. (3) مشكلة الشر
تستخدم المدارس الفرعية المختلفة، المنتمية إلى المذهب المثالي، أساليب مختلفة في تفسير هذا التعارض بين المظهر والحقيقة. ومن المهم أن نختبر بعضا على الأقل من أهم هذه المدارس الفرعية؛ إذ إن إجاباتها ستكشف لنا الكثير عن المثالية بوجه عام. ومع ذلك فلما كانت هذه المشكلة الضخمة تتداخل مع مسألة أخرى أوسع انتشارا بين الناس بكثير، ويتعين على المثالية مواجهتها، فإن من المستحسن بحث الأمرين معا. هذه المسألة الأوسع انتشارا هي «مشكلة الشر» المشهورة التي هي دون شك أصلب بندقية يتعين على أي مذهب مثالي كسرها.
والمشكلة باختصار هي : إذا كان الكون هو تجسد «الذهن» أو «العقل» فكيف حدث أن تجربتنا تكشف لنا الكثير مما هو لا معقول ولا مفهوم؟ وكيف يحدث أننا كثيرا ما نضطر إلى التوفيق بين ما هو بوضوح اتفاق أعمى أو مصادفة أليمة، وبين الغاية العاقلة التي يفترض أنها تكمن من وراء ذلك كله؟ ولو كان نظام الأشياء معقولا بحق، أكنا نجلس الآن في هذا المكان نتصارع مع مشكلة الشر؟ إننا لا نسمع قط عن «مشكلة الخير»، مع أن لنا الحق - منطقيا - أن نتوقع، في ذات الكون الذي هو معقول في جميع أرجائه، ألا يكون هناك شر يقتضي تفسيرا، بل إن الأصعب من ذلك تلك الصورة الخاصة لهذه المشكلة الكبرى، وهي الصورة التي يتعين على كل الأديان مواجهتها - وأعني بها: لو كان الله ذا قدرة شاملة وحكمة شاملة، ولكن ليس ذا خير شامل، لأمكننا أن نفهم وجود مثل هذا العالم الذي نعيش فيه بالفعل، أو لو كانت لديه أسمى حكمة وخيرية، ولكن مع قدرة محدودة، لأمكننا أن نفهم ذلك أيضا. ولكن كيف نوفق بين وجود إله لا متناه وبين حقيقة الشر؟ إما أنه لا يكترث وإما أنه يكترث ولكن لا حيلة له في الموقف على الإطلاق. وهناك احتمال ثالث هو أن تكون لديه الحكمة الضرورية اللازمة، ولكن سلطته محدودة، مما يجعله يعمل بالتدريج على محو الشر، ولكن هذا بدوره يقتضي لتحقيقه آمادا هائلة من الزمان.
بعض الإجابات الدينية : يرى التوحيديون المؤمنون بإله مشخص ولكنه لا نهائي، أن المشكلة تقتضي بالضرورة تحليلا مطولا لطبيعة الألوهية، والعلاقات بين الله والكون الذي خلقه ... إلخ. وسوف نبحث كثيرا من هذه التحليلات في الفصلين الأخيرين، ولكن يكفينا هنا أن ننظر إلى الإجابات التي يقدمها الإنسان في موقفه الطبيعي على هذه الأسئلة المحيرة. إن أوضح جواب وهو قطعا أوسع الإجابات انتشارا - هو أن «زمان الله هو الأفضل». فهو يعلم ما يفعله، وما هو أفضل لعالمه وكل المخلوقات فيه. ومن المسلم به أن أساليبه ليست أساليبنا، وزمانه ليس دائما زماننا، ولكن سوف يتضح لنا في آخر المطاف، عندما يكون كل شيء مفهوما، وعندما نتمكن من أن نرى كل شيء في ضوئه الحقيقي، أن شكنا في عدم اكتراث الله أو عدم قدرته أمر لا مبرر له. وعندئذ سنرى أن «مظهر» الأشياء هو وحده الذي خدعنا، أما «الحقيقة» (التي كان يعرفها بالطبع منذ البداية إله عالم بكل شيء) فكانت معقولة، مفهومة، خيرة، وبالاختصار، فصاحب هذا المذهب في الألوهية يرى، مثلما يرى المثالي، أن المشكلة الحقيقية هي أن نخترق حجاب أي المظاهر وننفذ بأنظارنا إلى الحقيقة.
Página desconocida