El amanecer del Islam

Ahmad Amin d. 1373 AH
140

El amanecer del Islam

فجر الإسلام

Géneros

في هذا العصر كان العلم - ولا سيما الديني - يدرس في المساجد، يجلس الأستاذ في المسجد وحوله الآخذون عنه على شكل حلقة، وتكبر الحلقة وتصغر تبعا لقدر الأستاذ؛ فالسيوطي في الإتقان يحدثنا أن عبد الله بن عباس كان يجلس بفناء الكعبة وقد اكتنفه الناس يسألونه عن تفسير القرآن، ويحدثنا ابن خلكان أن ربيعة الرأي كان يجلس في مسجد رسول الله

صلى الله عليه وسلم

في المدينة ويأتيه مالك والحسن وأشراف أهل المدينة، ويحدق الناس به، وكانت حلقته وافرة، وكذلك كان مجلس الحسن البصري في مسجد البصرة، وقد يكون في المسجد جملة حلقات تجتمع كل حلقة على شيخ، كما حدثونا أن عمرو بن عبيد ونفرا معه كانوا يجلسون في حلقة الحسن البصري، ثم اعتزلوا حلقة الحسن وحلقوا (أي: أنشئوا لهم حلقة خاصة)! وكذلك كان يفعل جعفر الصادق في المدينة، قالوا: وكان يشتغل بالكيمياء والزجر والفأل؛ ومثل هؤلاء كثيرون موزعون في الأمصار اتخذوا المساجد مدارس يعلمون فيها العلوم المختلفة، ولم أر ما يدل على أن المسلمين أنشئوا في هذا العصر مدارس خاصة للعلم إلا ما نقل المقريزي «عن الواقدي أن عبد الله بن أم مكتوم قدم مهاجرا إلى المدينة مع مصعب بن عمير، وقيل: قدم بعد بدر بقليل، فنزل دار القراء»، ولم نعلم كثيرا عن دار القراء هذه وهل خصصت للمدارسة أو لا، وحكى السيد أمير علي في كتابه «مختصر تاريخ العرب»: أن الحر بن يوسف بن الحكم بن أبي العاص بن أمية - وكان عاملا لهشام بن عبد الملك على الموصل - بنى مدرسة بالموصل، ولكن لم يذكر له مستندا، والذي في ابن الأثير أن الحر هذا بنى المنقوشة، وهي دار يسكنها، وسميت المنقوشة؛ لأنها كانت منقوشة بالساج والرخام والفصوص الملونة وما شاكلها، ولم يذكر أنه بنى مدرسة، والذي نعرفه أن بعض المدارس التي كانت في الممالك قبل الفتح ظلت على حالها بعد الفتح كبعض مدارس السريانيين، أما الأمويون فلا نعلم أنهم أنشئوا مدارس، ولكن كانت الدراسة العلمية في البيوت والمساجد.

التدوين

37 : ذهب بعضهم إلى أن تدوين العلوم والأخبار لم يحدث إلا في منتصف القرن الثاني للهجرة، وهذا على ما يظهر لنا غير صحيح، فإن التدوين بدأ من القرن الأول، بل كان قبل الإسلام تدوين، وكان هذا التدوين كثيرا في البلاد المتحضرة كاليمن والحيرة، وقليلا في بلاد الحجاز، فالحميريون في اليمن دونوا كثيرا من أخبارهم وحوادثهم، ونقشوها على الأحجار، ولا تزال آثارهم في ذلك تستكشف بين حين وحين، وقد حدثناك من قبل أن النبي

صلى الله عليه وسلم

لقي سويد بن الصامت وكان معه مجلة لقمان، أعني صحيفة فيها حكم لقمان، فلما جاء الإسلام اتخذ النبي

صلى الله عليه وسلم

كتبة للوحي، فكانوا يكتبون على الرقاع والأضلاع وسعف النخل والحجارة الرقاق البيض، ثم جمعت هذه الصحف في عهد أبي بكر، وعني بعض الصحابة بكتابة حديث رسول الله

صلى الله عليه وسلم ، كعبد الله بن عمرو بن العاص، فإنه كان يدون ما يسمع من رسول الله، قال أبو هريرة: «ما أجد من أصحاب رسول الله

Página desconocida