والجواب: أن السائل هذا فهم من كلام العلماء خلاف مرادهم ومقصدهم، ونحن نحقق له المعنى المراد فنقول: إن المراد بقولهم على وجه لا يكون فوق يده يد في حكم الله الثابت في الشريعة، لأن ذلك هو الواجب، لأن جهة القهر والغلبة يوضح ذلك أن ولاية الإمام ولاية عامة تامة، لا ولاية ولا يد ولا حكم لأحد عليه في حكم الله تعالى وشرعته، بل كل ولاية فهي دون ولايته ومستفادة من أمره، وحكمه هذا في حكم الله تعالى وشريعته، فأما بالقهر والغلبة فذلك غير لازم، ولا واجب، ولا شرط، ولا نطق به كتاب، ولا قضت به سنة، ولا أجمعت عليه أمة، يوضح ذلك ويبينه أن الإمام قد يغلب على نفسه، ويقهر على أمره، ويلزم، ويحبس، ولا تبطل ولايته، ولا تسقط إمامته إلا إذا أيس من خروجه، إذ قد صار في حكم المعدوم، وأيضا فقد يخذل الإمام ولا يجاب فيتبعه العدو من البغاة والظلمة، فيمتنع من عدوه في بلد لا يد له فيها، وبقوم لا حكم له عليهم ولا يخرجه ذلك عن الإمامة، ولا تبطل ولايته، ولا يعلم قائلا بذلك، وقد جرى للأئمة السابقين من ذلك ما فيه حجة وكفاية، فالإمام الناصر تمنع ببعض الظلمة -بل الكفرة- زمانا، وكذلك يحيى بن عبد الله، والإمام القاسم، فوقع له خفية حيث لا يد له ولا حكم، والإمام المهدي علي بن محمد قام ودعا من ثلا، ووقف برهة من الزمان، وغزا منه وحارب، وحط على صنعاء بأمراء بني حمزة وبالقبائل، ولا يد له على أهل ثلا ولا على الأمراء ولا على القبائل، حتى أن نوبة صاحب ظفار كانت قد تقدم على نوبة الإمام، وذلك ظاهر معروف، والإمام أحمد بن سليمان وقف على بلاد خولان ولا يد له عليهم وكانت غزواته منها، والإمام يحيى بن حمزة وقف في صعدة وصنعاء وفلله وثلا ولا يد له في هذه البلدان، وكذلك غيرهم من الأئمة ولم يقل أحد من العلماء لأحد من هؤلاء الأئمة إمامتك باطلة، لأنك وقفت في بلد لا يد لك على أهلها.
ثم إنا نقول: إن لمن يصلح للإمامة أن يقوم ويدعي بين الظلمة والعصاة إذ هو داع إلى الله تعالى وهاد إلى سبيل الله، وآمر بالمعروف وناه عن المنكر، وتثبت له بذلك الولاية، فإن أجيب فاتبع ووجد أعوانا وأنصارا حارب وناصب وقاتل، وإن كان في ابتداء أمره لا يد له ولاقوة ولا يعلم قائلا من العلماء بتحريم ذلك ولا إنكاره، ولو جعل ثبات اليد وتعالي الأمر شرطا في صحة الإمامة لاستد باب الإمامة، لأن ذلك لا يثبت في ابتداء الدعوة في الأغلب، يؤيد هذا أن النبوة وهي الإمامة الكبرى، وقد صحت النبوة الكبرى من الأنبياء مع قهرهم، وقد أقام نبينا صلى الله عليه وآله وسلم بين ظهراني الكفر بذمة وجوار.
ثم إنا نبين للسائل ما هو توهمه ولبس عليه من وقوفنا في فلله، وأقمنا فيها ولا يد لأحد علينا فيما يتعلق بنا، بل إقدامنا وإحجامنا في حربنا وجهادنا يصير عن أمرنا ولا أمر لأحد علينا فيما يخصنا ويتعلق بنا من الحروب وغيرها، وذلك معروف ظاهر لمن أنصف، وإن كان لا أمر لنا عليهم فيما يخصهم ويتعلق بهم فذلك لا يقدح علينا، مع أن المنكرات قد قلت في بلادهم وحفيت بسبب وقوفنا بحمد الله تعالى، وذلك من فوائد الإمامة، ومن أنصف عرف ذلك.
السؤال الثاني: قال السائل: من شرط الإمام أن يكون معه طائفة من المؤمنين واحتج بقول علي عليه السلام : (لولا حضور الحاضر ووجوب الحجة لوجود الناصر...) إلى آخر كلامه؟
Página 61