قال عليه السلام : ولما كانت الإمامة قطب رحا الإسلام التي عليها مدارها، وقنطرة الأحكام التي بها يغاص بحارها، وسماء الشريعة الذي يفتر أزهارها وتدرك ثمارها، كان العلم من معظمات شروطها، ولازمات فروضها التي لا تتم الإمامة إلا بها، ولا تصح إلا معها، وعند ذلك سألنا بعض أهل البصيرة عن أمور تعترض في السيرة، وسلك في السريرة معينا في أمره ومتسلما لثلج صدره، فوجب علينا إسعافه، ولزمنا إنصافه، حسب كفاية المسترشدين لا المتعنتين، وفيه نهاية المتبينين لا المدلسين، ومن الله تعالى أستمد التوفيق والهداية إلى واضح الطريق، قال عليه السلام : ثم إن الرسالة التي أوردها السائل لنا في جوابها طريقان جملي وتفصيلي.
أما الجملي: فنقول هذه المسائل التي أوردها السائل هي مسائل نظر واجتهاد، وتتعلق بمصالح الحرب والجهاد، وللإمام أن يعمل فيها بنظره واجتهاده ورأيه واعتقاده، وليس لأحد من أهل البصائر الاعتراض عليه، ولا ينقص الإمام رداه استصلحه من ذلك في دينه، ولا تقدح على معتقد الإمامة في نفسه لإجماع العلماء.
وهذا الكلام مع من يعتقد الإمامة ويقول بها، وأما من [لا] يعتقدها ولا يقول بها فلا جدوى في مكالمته في هذه المسائل، لأنه بين أمرين، إما أنه قاطع بعدمها فسؤالاته تعنتات وتخمينات، فلا تنبغي مكالمته، وإما أنه متوقف فيها والواجب عليه النظر في أصلها والبحث والاختبار لا سيما مع تمكنه وعدم المانع، فإذا أخل بذلك فتوقفه عجز، وهذا فيما أوجبه الله تعالى، والتوقف لا يسوغ إلا في مسائل الاجتهاد، وأما مسائل القطع فليس فيها إلا الحق أو الباطل ولا ثالث بينهما، والإمامة من مسائل القطع فالمتوقف فيها مقصر لا ورع.
وأما التفصيلي: فنتبعها سؤالا سؤالا ونكشفها(1) معنى ومقالا:
Página 59