Duroos of Sheikh Khalid Al-Mosleh
دروس للشيخ خالد المصلح
Géneros
الدنيا متاع الغرور
قف عند آية ليتبين لك ذلك، وإن كان القرآن مملوءًا بذلك، لكن قف عند قوله جل وعلا في سورة الحديد: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ﴾ [الحديد:٢٠]، بعد ذلك ماذا قال؟ ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [الحديد:٢٠]، ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور أي: إلا متاع خادع يظهر لك ما ليس له حقيقة، متاع باطل كاذب، فهو يظهر صاحبه بالسعادة والمكانة والطمأنينة وقلبه خال من ذلك، ثم بعد أن بين هذا الأمر وجه إلى ما يحصل به السلامة من هذا الغرور فقال: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ [الحديد:٢١].
إذًا: سبيل السلامة من غرور هذه الدنيا هو أن يجد الإنسان في تحقيق العبودية، فيغتنم الإنسان عمره بالطاعة، ويحتسب الدقيق والجليل عند الله ﷿، ولا يشتغل بما يشتغل به الناس من الانهماك في هذه الدنيا، والإقبال عليها، وجعلها في المرتبة الأولى من الاهتمامات، ليس المراد أن ينقطع الإنسان عن الدنيا، فإنه لا قوام له إلا بذلك، لكن المراد ألا تكون الدنيا قد تخللت القلب، وتربعت على سويداء القلب، بل المراد أن يكون الإنسان مشتغلًا بالطاعة، عاملًا ما يرضي الله ﷿، باذلًا طاقته في تحقيق مرضاة الله ﷿، ولا مانع أن يشتغل بعد ذلك بما يقيم به معاشه، ويصلح به دنياه، لا ندعو إلى زهد الصوفية الذين يقولون: دع الدنيا واهجرها، فرسول الله ﷺ لم يكن كذلك، بل كان ﷺ -كما في الصحيح- يدخر قوت أهله لسنة، وكان رسول الله ﷺ يواعد الناس، ويجلس لهم، ويخطط لأمر مستقبله فيما يتعلق بطاعة الله ﷿، وفيما يعين على ذلك من أمر الدنيا، ولكن الذي نذمه هو ما يخالف مقتضى ما أمر به رسول الله ﷺ من الغربة، وهو أن يشتغل الإنسان بهذه الدنيا عن الآخرة، وأن تكون هي همه ومحل اهتمامه ومحل عنايته، وهي التي عليها يوالي وعليها يعادي، وهي التي بها يحب وبها يكره، ولها يعطي ولها يمنع، هذا هو الذي ينبغي أن نسلم منه، وأن نصون أنفسنا وقلوبنا ومجتمعنا منه، وإذا كنا كذلك فقد حققنا خيرًا كثيرًا.
3 / 7