يحكيه من حركات الغصن أشكلها ... ومن نسيم ذكي المسك أطيبه
وقال أيضًا:
وبديع يكلّ عن وصفه العق ... ل لافراط حيرة الأبصار
فهو كالخاطر الذي دقّ معنا ... هـ فأضحى يجول في الأفكار
وقال أيضًا:
كأن أجفانه من جسم عاشقه ... قد ركبت فهي في الأسقام تحكيه
في صدغه عقربٌ للجسم لادعة ... درياق لدغتها في الريق من فيه
وقال في غلام نصراني يحبه:
شدّ زنّاره على دقة الخص ... ر وشدّ القلوب في الزنّار
وأسال الأصداغ فوق عذارٍ ... أنا من عشقه خليع العذار
وبدت منه طرة تذكر النا ... ظر ليلًا يلوح فوق نهار
وهو أبو نضلة مهلهل بن يموت بن المزرع بن يموت بن موسى بن حكيم بن جبلة العبدي. وحكيم هو الشهيد بالبصرة الذي منع عائشة وطلحة والزبير الدخول إليها وحرابهم حتى قتل. وكان من خبره ومقتله، أنه لما تمكن طلحة والزبير من البصرة، وقتلوا حرس بيت المال وهم سبعون رجلًا من غير ذنب ولا سبب، وأخذوا عثمان بن حنيف الأنصاري، عامل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، صلوات الله عليه، ونتفوا لحيته وأرادوا قتله، قام حكيم في قومه خطيبًا فقال لهم: يا قوم، إن ابن حنيف دم مصون وأمانة مؤداة. والله لو لم يكن علينا أميرًا لمنعناه لحق الجوار ومكانه من رسول الله صلى الله عليه. فكيف وله الحق والولاية. إلا أن الحي ميت والميت مسؤول، فأما أن تموتوا كرامًا وإما أن تعيشوا أحرارًا. فأجابوه إلى ما دعاهم إليه وقال في ذلك أبو أمية الأصم، وكان فارس القوم:
معاشر عبد القيس موتوا على التي ... تسرّ عليًا واحذروا سبة الغدر
ولا ترهبوا في الله لومة لائم ... وموتوا كرامًا فهو أشرف للذكر
وغدا حكيم في ثلاثمائة رجل من أصحابه إلى العدو وهو عائشة. فخرج طلحة والزبير، وحملا عائشة على الجمل، وذلك اليوم يسمى يوم الجمل الأصغر. فقاتل حكيم قتالًا شديدًا، وجعل يقول: إنما تريدان أن تصيبا من الدنيا حظًا، اللهم اقتلهما بمن قتلا، ولا تعطهما ما سألا، ولا تبلغهما ما أملا، ولا تغفر لهما أبدًا.
وحمل عليهما وهم في اثني عشر ألف ألفًا وهو في ثلاثمائة، فهزمهم حتى أدخلهم سكة، وشد رجل من الأزد على حكيم وهو غافل، فضربه على ساقه فقطع رجله. فأخذ حكيم رجله فضرب بها الأزدي فصرعه، ثم جاء فقتله، وأنشأ يقول:
يا نفس لا تراعي ... إنّ معي ذراعي
إن قطعت كراعي
وقتل هو وثلاثة اخوة له، وأخرجوا ربيعة من البصرة وأجلوهم عنها.
ومن شعر يموت بن المزرع في ابنه مهلهل:
مهلهل سبقني صغرك ... وأسبل أدمعي عسرك
لدى أكناف شامهم ... أموت فيمحى أثرك
ولو سومحت في عمري ... لجلّ لديهم خطرك
فوا أسفي على لمةٍ ... يطول إليهم سفرك
وإن أهلك فإن الله ... دون الخلق لي وزرك
وشعره وشعر ابنه مهلهل كثير في سائر فنون الشعر. وإنما ذكرنا ما احتمله الكتاب واقتضاه الشرط.
دير البخت
وهذا الدير بدمشق، على فرسخين بمنها. وهو دير كبير حسن، وكان يسمى دير ميخائيل، فسمي بهذا الاسم، لبخت كانت لعبد الملك بن مروان مقيمة هناك، فعرف بها.
وكان لعلي بن عبد الله بن عباس بذلك الموضع جنينة مقدارها أربعة أجربة. فكان يخرج إليها ويتنزه فيها أيام مقامه بدمشق.
1 / 51