هو الدهر لا يعطيك إلا تعلّةً ... ولا يأخذ الموهوب إلا تغشّما
عزاءً إذا ما فات مطلب هالكٍ ... وصبرًا إذا كان التصبّر أحزما
قال أبو علي محمد بن العلاء الشجري: لما تقلد عبيد الله بن سليمان الوزارة للمعتضد، دفع عبيد الله بن عبد الله بن طاهر إلي رقعة، سألني عرضها على عبيد الله بن سليمان، فكان فيها:
أبي دهرنا إسعافنا في نفوسنا ... وأسعفنا فيمن نجلّ ونعظم
فقلت له: نعماك فيهم أتمّها ... ودع أمرنا، إن المهم المقدّم
فاستحسن عبيد الله بن سليمان ما كتب به، وقال: أما ترى كيف تلطف لشكوى حاله؟ ثم أخذ جميع رقاعه فوقع له فيها بجميع ما أحب.
قال: وقال أبو العيناء يومًا لعبيد الله أسكت أيها الأمير أم أقول؟ قال: إن سكت كفيت، وإن قلت أصغي إليك، وإنك لتقر منا إذا احتجنا إليك، وتبعد عنا إذا احتجت إلينا.
ومن شعره، قوله:
لعمري لئن حدثت نفسي أنني ... أفوتك أن الرأي مني لعازب
لأنك مني بالمكان المحيط بي ... من الأرض أني استنهضتني المذاهب
ذكر أبو علي الأوارجي، أن أبا بكر محمد بن السري السراج النحوي، كان يحب جارية من القيان، فأنفق عليها مالًا جزيلًا. فلما ورد المكتفي من الرقة، خرج الناس ينظرون إليه. فخرجت أنا وهو وأبو القاسم عبد الله الموصلي، فجلسنا على روشن دار ابن جهشيار لنراه. فلما وافى ونظرنا إليه استحسناه كلنا. وكان أبو بكر بن السراج واجدًا على هذه الجارية ومغاضبًا لها. فقال: قد حضرني شيء، فاكتب، فكتبت:
قايست بين جمالها وفعالها ... فإذا الملاحة بالخيانة لا تفي
والله لا كلمتها ولو أنها ... كالشمس أو كالبدر أو كالمكتفى
ثم مضى للحديث مدة طويلة. وكان أبو عبد الله محمد بن إسمعيل زنجي الكاتب، يهوى قينة، وهو إذ ذاك يكتب لأبي العباس ابن الفرات فكان يحدثه بحديثه معها ولا يحتشمه، وكان اجتماعها معه في كل يوم جمعة، لأنه كان يوم نوبته في داره.
قال أبو علي: فحدثني زنجي، قال: غدوت يوم سبت على أبي العباس ابن الفرات، فقال لي: ما كان من خبرك أمس؟ فحدثته باجتماعنا، فقال لي: فما كان صوتك؟ فقلت:
قايست بين جمالها وفعالها
فقال لي أبو العباس: لمن هذا الشعر؟ قلت: لعبد الله بن المعتز. ثم ركب أبو العباس بن الفرات إلى الوزير القاسم بن عبيد الله، فحدثه بهذا الحديث، وأنشده الشعر، وسار معه إلى الثريا، ثم انصرف عنه جلس في ديوانه. فلما علم أنه قد قرب انصرافه، خرج فتلقاه، فلما لقيه، حدثه أنه انشد المكتفي الشعر وأنه سأله عن قائله، فعرفه أنه لعبيد الله بن عبد الله ابن طاهر. قال: فأمرني أن أحمل إليه ألف دينار. فقلت: إنما قلت لك أن الشعر لعبد الله بن المعتز، فنسبته إلى ابن طاهر. فقال: والله، ما وقع لي إلا أنك قلت إنه لعبيد الله. وهذا رزق رزقه الله عبيد الله، لا حيلة لأحد فيه. قال زنجي: فلما انصرف أبو العباس، حدثني بهذا الحديث وقال: خذ أنت الدنانير وامض بها إلى عبيد الله وقل له: هذا رزق بعثه الله إليك من حيث لم تحتسب! فحملت إليه الدنانير وحدثته الحديث، فحمد الله وشكر أبا العباس، فكان هذا من الاتفاق العجيب! وكان عبيد الله يقول: من صحب السلطان وخدمه، احتاج أن يدخل أعمى ويخرج أخرس.
ومن شعره، قوله:
إذا أنت لم تفضل على ذي مودة ... وكنت وإياه بمنزلةٍ سوا
فلا تك ذا تيهٍ عليه فإنما ... يعاقب بالذنب الفتى لا على الرضا
وقال أيضًا:
ألا إن قلبي منك بعد الذي مضى ... لملآن من أمرين يختلفان
هوى منك يتلوه أذىً لك والأذى ... عدو الهوى لن يوجدا بمكان
وقال أيضًا:
كفاك عن الدنيا الدنيّة مخبرًا ... غنى باخليها وافتقار كرامها
وإن رجال النفع تحت مداسها ... وإن رجال الضر فوق سنامها
وقال أيضًا:
وقالوا: غدًا ينأى فما أنت صانع ... فما هو إلا أن تفيض المدامع
بلى زفراتٌ بينهن تنفّسٌ ... يقطّعن قلبي والهموم النوازع
1 / 27