وذكر إسحق بن روح، أن مفلحًا وجهه إلى المعتمد، وقال: قل له: قد سمعت هزارًا جارية أمير المؤمنين، فأعجبتني وأحببت أن أملكها؛ ورأيت بدرًا الجلنار فأعجبني، فأحببت أن أملكه. فليوجه بهما أمير المؤمنين إلي. فأديت الرسالة إلى المعتمد بعد أن استأذنته فيها. فلما سمعها غضب وخرق ثيابه وقال: هكذا يفعل العبيد بالموالي، يغصبونهم على حرمهم وغلمانهم؟ وتكلم بأشياء عظيمة، فخرجنا، فردنا وقد سكن، ثم قال: مثل أبي صالح لا يرد عن طلبته. قد أمرت بحمل هزار مع كسوتها وفرشها وجواريها وجميع ما لها. فأما بدر الجلنار فقد وقع على خدمتنا وله منا موضع. فقل له يسعفنا بتركه. فعدت إلى مفلح فأخبرته بطرف من الأول وبالآخر. وكان على الخروج إلى البصرة لحرب صاحب الزنج. فقال: يا أبا إسحق، قد حصلت هزار، وإذا رجعنا من هذه الحرب، أخذنا بدرًا الجلنار منه، شاء أم أبى. فخرج، فأصابه سهم فمات.
وكان المعتمد من أسمح آل العباس، وكان يمثل بينه وبين المستمعين ويقال ما ولي أسمح منهما. وكان جيد التدبير، فهمًا بالأمور. فلما قوض أمره وغلب على رأيه، نقصت حاله عند الناس.
قال محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان: بعث بي أبي إلى المعتمد في شيء، فقال لي اجلس. فاستعظمت ذاك، فرد الأمر علي، فاعتذر بأنه لا يجوز لي. فقال لي: يا محمد، إن أدبك في القبول مني خير من أدبك في خلافي.
قال: ظلم بعض أسباب موسى بن بغا محمد بن علي الكاتب المعروف بباذنجانة، فلما مات موسى، هجاه، فقال:
مات قسّ الدير موسى ... لعن الرحمن موسى
فلقد كان ضعيفًا ... في تُقى الله خسيسا
فسروري مطلقٌ والحز ... ن قد صار حبيسا
فبلغ هذا الشعر المعتمد، فنقضه فقال:
مات خير الناس موسى ... رحم الرحمن موسى
فلقد كان جليلًا ... عالي القدر رئيسا
أطلق الحزن وخلّى ... فرحي وقفًا حبيسا
ومن شعره المرذول، قوله:
مالي وهذا الهوى مالي ... لو أمكنني افتديته بمالي
وهذا الحبيب ما يواصلني ... فأن مع هجرانه في قتال
بدا لي على ما أرى فيحبه ... وكنت والله ما بدا لي
وله من هذا الفن:
من قال إني أعشق لو صوّروا ... الحب لكان رجلًا أحمق
أدور السطوح فلا أراه ... كأنني سنّورٌ أبلق
تمنيت من شوقي إليه ... أن أطلع عليه فأكون لقلق
هوى الناس مجتمعٌ عندي ... وهواهم عليهم مُفرّق
قال: فكت الراضي بخطه، تحت هذه الأبيات:
لم يقل ذا الشعر إلا ... جاهلٌ بالشعر أحمق
أو مصابٌ ذو جنونٍ ... ضائع الفكرة أبلق
ومن شعره:
عجبت من هذا الحب لا ... يجارى به المحبوب
أراك يا ظالم لا تريدني ... هذا والله هوىً مقلوب
أنت في حسنك يوسف ... وأنا في ضرّي يعقوب
لست أعني يعقوب الصفّار ... أنت الصفار مصلوب
وله:
عشقت إنسانًا بكسكر ... وجهه كالقمر الأزهر
فلما شكوت إليه هواه ... طأطأ رأسه وفكّر
هو الذهب الابريز في حسنه ... وهو الياقوت الأحمر
من دلّني عليه فله عندي ... كل ما تمنى وقدّر
لما ظننته بيدي حاصلًا ... لا شك تركني وشمّر
قال: ودخل يومًا الجوسق، فرأى طائرًا، فصاده. فقال الموفق: ما رأيت أحسن منه، فهبه لي يا أمير المؤمنين، فأعطاه إياه. فلما حصل في يده، أفلت وجعل يصفق بجناحيه ويطير، فضحك المعتمد ضحكًا شديدًا، وقال:
دخلت يوما الجوسقا ... فاصطدت طيرًا أبلقا
أخذه مني الموفّقا ... فحين أخذه صفقا
وطار منه فرقا
قال: ولما شخص أبو أحمد إلى البصرة والجيش معه، وبقي المعتمد بسر من رأى، قال:
مهمّ مهم مهم مهم ... وأمرٌ فظيع وأمرٌ صُرم
أيحسن أن تذهبوا كلّكم ... أقعد في البيت كنّي حرم
1 / 23