مرضت، فلم يعدني من سقامي ... وتاه عن العيادة والرسول
وما بي حاجة تدعو إلى ما ... أذلّ به لذي النبل المنيل
ولا لمتوّج بالملك يزهى ... إذا ما كنت أقنع بالقليل
فكتبت إليه رقعة، في أخرها:
في كل يوم طاعة وعصيان ... ومللٌ وملقٌ وهجران
خلائق كأنهمّ غيلان
قال: ودعوته ليوم أسميته، فتأخر رسولي عنه، فكتب إلي:
دعوتنا وبدا لك ... نك في استه من وفى لك
قال: وكتب إلي النميري:
برّح بي الشوق إلى الشرب ... مع سيّد يهرب من قربي
ولم أكن أعهده جافيًا ... فصار يجفوني بلا ذنب
والله، ما أعرف لي عنده ... ذنبًا، سوى الافراط في الحب
وأنني ما سؤته ساعةً ... في حاضر الجدّ ولا اللعب
فكتب إليه:
يا أيها الجافي ويستجفى ... ليس تجنّيك من الظرف
إنك والشوق إلينا كمن ... يُؤمن بالله على حرف
محوت آثارك من ودّنا ... غير أساطيرك في الصّحف
وإن تجشمت لنا زورةً ... يومًا، تحاملت على ضعف
قال، وكتب إلي:
أتيتك مسرورًا فطاب لي الشّرب ... ونالت مناها عندك العين والقلب
فجارت عليّ الكأس حتى هجرتها ... ثلاثة أيام كما استوجب الذّنب
فكتبت إليه:
علام هجرت الكأس إذ جار حكمها ... ولا لهو إلا أن تكون، فما الذنب
أدام لك الله السرور ودام لي ... بك العيش والنّعماء واتصل القرب
قال عبدا لله: بعثت إلي النميري يوم جمعة رسولًا، وقلت له: إركب معنا إلى الصلاة، فوجده الرسول قد اصطبح. فقال له: قل له: أنا أصلي مذ صلاة الغداة. فكتبت إليه:
يا من يصلي صلاةً ... فيها لابليس طاعه
إن كنت تقبل شكري ... فالشكر في ذا رقاعه!
قال: وكتبت إليه وقد اعتللت، فلم يعدني:
الحمد لله حتى أنت تجفوني ... بعد الصفاء جفاء ليس بالدّون
قد كنت منتظرًا هذا فجئت به ... وليس خلقٌ على غدر بمأمون
فكتب يعتذر بشغل له واعتلال مركبه. فكتبت إليه:
لا تعتذر! قد عرفنا ... ك سوف تفعل فعلك
ذكرت شغلًا، فهلاّ ... جعلتني بعض شغلك؟
أو لم يكن لك عيرٌ ... فكت تركب نعلك
قال: فكتب إلي:
إن كنت أذنبت ذنبًا ... فقد وثقت بفضلك
وقد أتيتك مشيًا ... كما قضيت بعدلك
وجاءني ماشيًا.
قال النميري: كان عبد الله بن المعتز، يعيب العشق كثيرًا، إلى أن صار يقول: هو طرف من الحمق، وإذا رأى منا مطرقًا أو مفكرًا، اتهمه بهذا المعنى ويقول: وقعت يا فلان، وقل عقلك وسخفت! إلى أن رأيناه قد حدث به سهو شديد وفكر دائم، إلى أن كانت تبدر منه الأبيات في معنى العشق. فمرة يقول:
أسر الحبّ أميرا ... لم يكن قبل أسيرا
فارحموا ذلّ عزيزٍ ... صار عبدًا مستجيرا
ومرة يقول:
عقل المحبّ ساهي ... في قلبه الدواهي
فقلت: جعلني الله فداك! هذه أشياء قد كنت تعيب أمثالها منا، ونحن ننكرها الآن منك! فيرجع تصنعًا، ثم لا يلبث أن تبدر منه بادرة. فقال مرة:
مكتوم يا أحسن خلق الله ... لا تتركيني هكذا بالله
ثم تنفس، فقلت:
قد ظفر العشق بعبد الله ... وانهتك الستر بحمد الله
فقل له: سمّ لنا، بالله، ... هذا الذي تهوى، بحق الله!
فضحك وقال: لا، ولا كرامة، فكتبت إليه من غد:
بكت عينه وشكا حرقةً ... من الوجد في القلب ما تنطفي
فقلت له: سيدي، ما الذي ... أرى بك؟ قال: سقامٌ خفي
فقلت: أعشقٌ؟ فقال: اقتصر ... على ما تراه، أما تكتفي؟
فكتب إلي:
يا من يحدّث عنّي ... بظنّ سمع وعين
إن كنت تخطب سري ... فارجع بخفّي حُنين
فكتبت إليه:
هيهات حظّك واللّ ... هـ أن تبوح بعشقك
1 / 17