99

Estudios sobre la Muqaddima de Ibn Jaldún

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

Géneros

ثانيا:

حينما أضاف المؤلف تلك العبارات لم يصحح ويعدل العبارات الباقية حسب ما تقتضيه العبارات الجديدة، بل ترك سائر أقسام الفصول على حالها.

فلا نستبعد أن يكون قد حدث أمثال ذلك في سائر أقسام المقدمة أيضا، فلا نعدو الحقيقة إذا ما عزونا آثار التناقض التي نلمسها في بعض أقسام المقدمة إلى سبب مماثل للسبب الآنف الذكر؛ وهو إدخال فكرة جديدة في فصل من الفصول، أو إضافة فصل جديد إلى باب من الأبواب، من غير إعادة النظر في الأقسام القديمة، وتصحيحها على ضوء هذه الفكرة الجديدة، وحسب مقتضيات الفصل الجديدة. (2)

إذا أنعمنا النظر في بحث «حقيقة النبوة» في المقدمة السادسة من الباب الأول، وجدنا فيه قرائن عديدة، تدل دلالة قطعية على أنه كتب بعد إتمام المقدمة بمدة غير يسيرة.

فإننا نلاحظ أولا أن البحث يبدأ بعبارة: «اعلم، أرشدنا الله وإياك» (ص95)، وفي هذا ما فيه من الشذوذ عن الأسلوب العام الذي يسير عليه ابن خلدون في بدء الفصول والأبحاث. إذا أنعمنا النظر في مداخل الفصول وجدنا أن 70 منها تبتدئ بعبارة: «اعلم أن»، و67 منها تبدأ بتعبير مثل «والسبب في ذلك»، أو «وسببه»، أو «ذلك أن»، والباقية منها تتناول البحث مباشرة، أو بتذكير بعض المباحث المتقدمة. وأما الدعاء للقارئ بتعبير مثل «أرشدنا الله وإياك»، فمما لا يشاهد إلا في فصلين من مجموع فصول المقدمة التي تزيد على المائتين.

فيحق لنا أن نظن ظنا قويا بأن خروج ابن خلدون في بدء هذا الفصل على خطته العامة، إنما نشأ من أنه كتب هذا البحث بعد مرور مدة غير يسيرة على كتابته سائر الفصول.

ولا يمكن أن يقال «إن ذلك قد يكون ناتجا عن مقتضى الموضوع نفسه»؛ وذلك لأننا نلاحظ بأن سائر الفصول التي تمت بصلة قوية إلى الأمور الدينية - مثل فصول الخلافة، والإمامة، والفاطمي، والتفسير، والتصوف، وعلوم الأنبياء عليهم السلام - لا تشذ عن الأسلوب العام، ولا تبتدئ بالدعاء للقارئ.

وزيادة على ذلك فإننا نجد في الذهنية المسيطرة على هذا الفصل أيضا ما يؤيد الظن الآنف الذكر تأييدا كبيرا.

غير أننا نجد في آخر بحث «حقيقة النبوة» قرينة قوية أخرى تحول ظننا هذا إلى يقين؛ لأننا نقرأ في القسم الأخير من البحث العبارات التالية: «التناسب بين الأشياء هو سبب الحصول على المجهول من المعلوم الحاصل للنفس، وطريق لحصوله سيما من أهل الرياضة، فإنها تفيد العقل قوة على القياس، وزيادة في الفكر، وقد مر تعليل ذلك غير مرة» (ص118).

إن عبارة «قد مر تعليل ذلك غير مرة» هنا تكتسب أهمية خاصة؛ لأن هذا البحث يقع في الباب الأول، وأما التعليل الذي يشير إليه المؤلف فلم يسبق هذا البحث وهذا الباب، إنما أتى في الفصل الأخير من الباب الخامس، وفي عدة فصول من الباب السادس.

Página desconocida