هذا وقد تصدى للمشككين في صحة نسبة ما في كتاب (نهج البلاغة) إلى الإمام علي عليه السلام ابن أبي الحديد رحمه الله تعالى في (شرح نهج البلاغة)، فقال ما لفظه: (كثير من أرباب الهوى يقولون: إن كثيرا من (نهج البلاغة) كلام محدث، صنعه قوم من فصحاء الشيعة، وربما عزوا بعضه إلى الرضي أبي الحسن وغيره، وهؤلاء قوم أعمت العصبية أعينهم، فضلوا عن النهج الواضح، وركبوا بنيات الطريق، ضلالا وقلة معرفة بأساليب الكلام، وأنا أوضح لك بكلام مختصر ما في هذا الخاطر من الغلط، فأقول:
لا يخلو أن يكون كل (نهج البلاغة) مصنوعا منحولا أو بعضه، والأول باطل بالضرورة، لأنا نعلم بالتواتر صحة إسناد بعضه إلى أمير المؤمنينعليه السلام، وقد نقل المحدثون كلهم أو جلهم والمؤرخون كثيرا منه، وليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرض في ذلك.
والثاني يدل على ما قلناه؛ لأن من قد أنس بالكلام والخطابة، وشدا طرفا من علم البيان، وصار له ذوق في هذا الباب، لا بد أن يفرق بين الكلام الركيك والفصيح، وبين الفصيح والأفصح، وبين الأصيل والمولد، وإذا وقف على كراس واحد يتضمن كلاما لجماعة من الخطباء، أو لاثنين منهم فقط، فلا بد أن يفرق بين الكلامين، ويميز بين الطريقتين.
Página 27