El Estado Omeya en Sham

Anis Zakariya Nusuli d. 1357 AH
160

El Estado Omeya en Sham

الدولة الأموية في الشام

Géneros

كانت الدولة الأموية دولة فتوح وتوسع، فلم تعتن الاعتناء اللازم في إنشاء المدارس وتهيئة المناهج العلمية ليسير الطلاب بحسبها، بل جل ما نعرفه أن الخلفاء والنبلاء والقادة كانوا يأتون بمؤدبين ليؤدبوا أطفالهم، ويعرف هؤلاء المؤدبون عادة بسمو أخلاقهم وغزير علمهم وشدة ورعهم وتقاهم، ولو درسنا الوصايا والنبذ التي اقتطفناها من مختلف المصادر لتحققنا أن النبيل الأموي كان يعلم الدين فيقرأ القرآن الكريم ويحفظ الحديث الشريف، ثم يروي الشعر والأقوال المأثورة ويلقن الحساب واللغة، وقد يحذرون حذرا شديدا من اللحن، وكان المربون ينشئون في طلابهم خصالا حميدة، فيطلبون إليهم الاعتماد على النفس والابتعاد عن الملاهي والمعازف والغناء ومراعاة سنن الاقتصاد ونبذ الصلف والعجب بالنفس، وأمروهم بمؤازرة الغير ومساعدته جهد الطاقة، وكانوا يهتمون بالرياضة فيشجعونهم على النزول في ميادين السباق والفروسية ويمرنونهم على الصيد والقنص والمصارعة، وهاك فقرات تؤيد لك ما قدمناه:

ذكر الكلبي مؤدب محمد بن سليمان بن عبد الملك قال: «بعث إلي سليمان بن عبد الملك فدخلت عليه فسلمت عليه بالخلافة فرد علي السلام، ثم أومأ إلي فجلست، فسكت عني حتى إذا سكن جأشي قال لي: يا كلبي إن ابني محمدا قرة عيني وثمرة قلبي، وقد رجوت أن يبلغ الله به أفضل ما بلغ رجلا من أهل بيته، وقد وليتك تأديبه فعلمه القرآن، وروه الأشعار فإن الشعر ديوان العرب، وفهمه أيام الناس، وخذه بعلم الفرائض، وفهمه السنن، ولا تفتر عنه ليلا ولا نهارا، فإذا أخطأ بكلمة أو زل بحرف أو هفا بقول فلا تؤنبه بين يدي جلسائه، ولكن إذا خلا لك مجلسه لئلا تمحكه، وإذا دخل عليه الناس للتسليم فخذه بألطافهم وإظهار برهم، وإذا حيوه بتحية فليحيهم بأحسن منها، وأطيبا لمن حضر بمائدتكما الطعام، واحمله على طلاقة الوجه، وحسن البشر، وكظم الغيظ، وقلة القذر، والتثبت في المنطق، والوفاء بالعهد، وتنكب الكذب.»

11

وقال عتبة بن أبي سفيان لعبد الصمد مؤدب ولده: «ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح بني إصلاح نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنت والقبيح عندهم ما استقبحت، وعلمهم كتاب الله، ولا تكرههم عليه فيملوه، ولا تتركهم منه فيهجروه، ثم روهم من الشعر أعفه ومن الحديث أشرفه، ولا تخرجهم من علم إلى غيره حتى يحكموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم، وتهددهم بي وأدبهم دوني، وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء قبل معرفة الداء، وجنبهم محادثة النساء، وروهم سير الحكماء، واستزدني بزيادتك إياهم أزدك، وإياك أن تتكل على عذر مني لك فقد اتكلت على كفاية منك، وزد في تأديبهم أزدك في بري إن شاء الله تعالى.»

12

وقال عبد الملك لرومان مؤدب أولاده: «مرهم بإحراز ما أقبل قبل إدباره، وكتمان ما في الأنفس دون الخلصان، ومؤازرة الثقة من الإخوان، وتوقع انتقاد الإخوان، وقلة التعجب من عذر الخلان.»

13

وقال عمر بن عبد العزيز لابنه عبد الملك: «فإن ابتلاك الله بغنى فاقتصد في غناك، وضع لله نفسك، وأد إلى الله فرائض حقه من مالك ... وإياك أن تفخر بقولك وتعجب بنفسك أو يخيل إليك أن ما رزقه لكرامة لك على ربك وفضيلة على من لم يرزق مثل غناك.»

14

وقال عمر بن عبد العزيز إلى مؤدب ولده: «من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى سهل مولاه، أما بعد فإني اخترتك على علم مني بك لتأديب ولدي، فصرفتهم إليك عن غيرك من موالي وذوي الخاصة بي، فحدثهم بالجفاء فهو أمعن لإقدامهم، وترك الصحبة فإن عادتها تكسب الغفلة، وقلة الضحك فإن كثرته تميت القلب، وليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم أن حضور المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق بالقلب كما ينبت العشب الماء، ولعمري لتوقي ذلك بترك حضور تلك المواطن أيسر على ذي الذهن في الثبوت على النفاق في قلبه ... وليفتتح كل غلام منهم بجزء من القرآن يتثبت في قراءته، فإذا فرغ تناول قوسه ونبله وخرج إلى الفرض حافيا فرمى سبعة أرشاق ثم انصرف إلى القائلة.»

Página desconocida