فَكَانَ عِيسَى ب كن وَلَيْسَ عِيسَى هُوَ الْكن وَلَكِن بالكن كَانَ وَقَالَ اللَّيْث عَن مُجَاهِد وروح مِنْهُ قَالَ رَسُول مِنْهُ يُرِيد مُجَاهِد قَوْله ﴿فَأَرْسَلنَا إِلَيْهَا رُوحنَا فتمثل لَهَا بشرا سويا قَالَت إِنِّي أعوذ بالرحمن مِنْك إِن كنت تقيا قَالَ إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك﴾
وَالْمعْنَى أَن عِيسَى خلق من هَذِه الرّوح وَهُوَ جِبْرِيل روح الْقُدس سمي روحا كَمَا سمي كلمة لِأَنَّهُ خلق بِالْكَلِمَةِ وَالنَّصَارَى يَقُولُونَ فِي أمانتهم تجسد من مَرْيَم وَمن روح الْقُدس لِأَنَّهُ جَاءَ كَذَلِك فِي الْكتب الْمُتَقَدّمَة لَكِن ظنُّوا أَن روح الْقُدس هُوَ صفة لله وجعلوها حَيَاته وَقدرته وَهُوَ رب وَهَذَا غلط مِنْهُم فَإِنَّهُ لم يسم أحد من الْأَنْبِيَاء حَيَاة الله وَلَا قدرته وَلَا شَيْئا من صِفَاته روح الْقُدس بل روح الْقُدس فِي غير مَوضِع من كَلَام الْأَنْبِيَاء ﵈ يُرَاد بهَا مَا ينزله الله على قُلُوب الْأَنْبِيَاء كالوحي وَالْهدى والتأييد وَيُرَاد بهَا الْملك وَهَكَذَا فِي تَفْسِير ابْن السَّائِب عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس أَن عِيسَى بن مَرْيَم اسْتقْبل رهطا من الْيَهُود فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا قد جَاءَ السَّاحر ابْن الساحرة وَالْفَاعِل ابْن الفاعلة فقذفوه وَأمه فَلَمَّا سمع عِيسَى ذَلِك قَالَ اللَّهُمَّ أَنْت رَبِّي وَأَنا من روحك خرجت وبكلمتك خلقتني وَلم أتهم من تِلْقَاء نَفسِي وَذكر تَمام الحَدِيث
وَقد قَالَ تَعَالَى ﴿وَالَّتِي أحصنت فرجهَا فنفخنا فِيهَا من رُوحنَا وجعلناها وَابْنهَا آيَة للْعَالمين﴾
وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَمَرْيَم ابْنة عمرَان الَّتِي أحصنت فرجهَا فنفخنا فِيهِ من رُوحنَا﴾
فَهَذَا يُوَافق قَوْله تَعَالَى ﴿فَأَرْسَلنَا إِلَيْهَا رُوحنَا فتمثل لَهَا بشرا سويا قَالَت إِنِّي أعوذ بالرحمن مِنْك إِن كنت تقيا قَالَ إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك﴾ وَهَذَا مَبْسُوط فِي مَوضِع آخر
وَالْمَقْصُود هُنَا أَنهم سَوَاء صدقُوا مُحَمَّدًا أَو كذبوه فَإِنَّهُ يلْزم بطلَان دينهم على التَّقْدِيرَيْنِ فَإِنَّهُ إِن كَانَ نَبيا صَادِقا فقد بلغ عَن الله فِي هَذَا الْكتاب كفر النَّصَارَى فِي غير مَوضِع ودعاهم إِلَى الْإِيمَان بِهِ وَأمر بجهادهم فَمن علم أَنه نَبِي وَلَو إِلَى طَائِفَة مُعينَة فَيجب تَصْدِيقه فِي كل مَا أخبر بِهِ وَقد أخبر بِكفْر النَّصَارَى وضلالهم فَإِذا ثَبت هَذَا لم يغن
2 / 32