سَوَاء كَانَ انْتِقَاله بعد مَجِيء شريعتنا أَو قبلهَا وَسَوَاء انْتقل إِلَى دين المبدلين أَو دين لم يُبدل وَيجوز مناكحته وَأكل ذَبِيحَته
وَإِذا كَانَ هَذَا فِيمَن أَبَوَاهُ مُشْرِكَانِ من الْعَرَب وَالروم فَمن كَانَ أحد أَبَوَيْهِ مُشْركًا فَهُوَ أولى بذلك هَذَا هُوَ الْمَنْصُوص عَن أَحْمد فَإِن قد نَص على أَنه من دخل فِي دينهم بعد النّسخ والتبديل كمن دخل فِي دينهم فِي هَذَا الزَّمَان فَإِنَّهُ يقر بالجزية قَالَ أَصْحَابه وَإِذا أقررناه بالجزية حلت ذَبَائِحهم وَنِسَاؤُهُمْ وَهُوَ مَذْهَب ابي حنيفَة وَمَالك وَغَيرهمَا
وأصل النزاع فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مَا ذكرته من نزاع عَليّ وَغَيره من الصَّحَابَة فِي بني تغلب وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ وَالْجُمْهُور أحلوها وَهِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد
ثمَّ الَّذين كَرهُوا ذَبَائِح بني تغلب تنازعوا فِي مَأْخَذ عَليّ فَظن بَعضهم أَن عليا إِنَّمَا حرم ذَبَائِحهم ونساءهم لكَونه لم يعلم أَن آبَاءَهُم دخلُوا فِي دين أهل الْكتاب قبل النّسخ والتبديل وبنوا على هَذَا أَن الِاعْتِبَار فِي أهل الْكتاب بِالنّسَبِ لَا بِنَفس الرجل وَأَن من شككنا فِي أجداده هَل كَانُوا من أهل الْكتاب أم لَا أَخذنَا بِالِاحْتِيَاطِ فحقنا دَمه بالجزية احْتِيَاطًا وحرمنا ذَبِيحَته ونساءه احْتِيَاطًا وَهَذَا مَأْخَذ الشَّافِعِي وَمن وَافقه من أَصْحَاب أَحْمد
وَقَالَ آخَرُونَ بل عَليّ لم يكره ذَبَائِح بني تغلب إِلَّا لكَوْنهم مَا تدينوا بدين أهل الْكتاب فِي واجباته ومحظوراته بل أخذُوا مِنْهُ حل الْمُحرمَات فَقَط وَلِهَذَا قَالَ إِنَّهُم لم يَتَمَسَّكُوا من دين أهل الْكتاب إِلَّا بِشرب الْخمر وَهَذَا المأخذ من قَول عَليّ هُوَ الْمَنْصُوص عَن أَحْمد وَغَيره وَهُوَ الصَّوَاب
وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَوْل بِأَن أهل الْكتاب الْمَذْكُورين فِي الْقُرْآن هم من كَانَ دخل جده فِي ذَلِك قبل النّسخ والتبديل قَول ضَعِيف وَالْقَوْل بِأَن عَليّ بن أبي طَالب ﵁ أَرَادَ ذَلِك قَول ضَعِيف بل الصَّوَاب الْمَقْطُوع بِهِ أَن كَون الرجل كتابيا أَو غير كتابي هُوَ حكم مُسْتَقل بِنَفسِهِ لَا بنسبه وكل من تدين بدين أهل الْكتاب فَهُوَ مِنْهُم سَوَاء كَانَ أَبوهُ أَو جده دخل فِي دينهم أَو لم يدْخل وَسَوَاء كَانَ دُخُوله قبل النّسخ والتبديل أَو بعد ذَلِك وَهَذَا مَذْهَب جُمْهُور الْعلمَاء كَأبي حنيفَة وَمَالك وَهُوَ الْمَنْصُوص الصَّرِيح عَن أَحْمد وَإِن كَانَ بَين أَصْحَابه فِي ذَلِك نزاع مَعْرُوف وَهَذَا القَوْل هُوَ الثَّابِت عَن الصَّحَابَة ﵃ وَلَا أعلم بَين الصَّحَابَة فِي ذَلِك نزاعا
وَقد ذكر الطَّحَاوِيّ أَن هَذَا إِجْمَاع قديم وَاحْتج بذلك فِي هَذِه الْمَسْأَلَة على من لَا يقر الرجل فِي دينهم بعد النّسخ والتبديل كمن هُوَ فِي زَمَاننَا إِذا انْتقل إِلَى دين أهل الْكتاب فَإِنَّهُ تُؤْكَل ذَبِيحَته وَتنْكح نساؤه وَهَذَا يبين خطأ من يُنَاقض مِنْهُم
2 / 19