وهم يَقُولُونَ لَيْسَ فِيهِ أَلا أقنوم الْكَلِمَة وكما يُسمى الْمَسِيح كلمة لِأَنَّهُ خلق بِالْكَلِمَةِ يُسمى روحا لِأَنَّهُ حل بِهِ الرّوح فَإِن قيل فقد قَالَ فِي الْقُرْآن ﴿وَالَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يعلمُونَ أَنه منزل من رَبك﴾ وَقَالَ ﴿تَنْزِيل الْكتاب من الله الْعَزِيز الْحَكِيم﴾
وَقد قَالَ أَئِمَّة الْمُسلمين وجمهورهم الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق مِنْهُ بَدَأَ وَقَالَ فِي الْمَسِيح وروح مِنْهُ قيل هَذَا بِمَنْزِلَة سَائِر الْمُضَاف إِلَى الله إِن كَانَ عينا قَائِمَة بِنَفسِهَا أَو صفة فِيهَا كَانَ مخلوقا وَإِن كَانَ صفة مُضَافَة إِلَى الله كعلمه وَكَلَامه وَنَحْو ذَلِك كَانَ إِضَافَة صفة وَكَذَلِكَ مَا مِنْهُ إِن كَانَ عينا قَائِمَة تعين بغَيْرهَا كَمَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالنعَم وَالروح الَّذِي أرسلها الى مَرْيَم وَقَالَ ﴿إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك﴾ كَانَ مخلوقا وَإِن كَانَ صفة لَا تقوم بِنَفسِهَا وَلَا يَتَّصِف بهَا الْمَخْلُوق كالقرآن لم يكن مخلوقا فَإِن ذَلِك قَائِم بِاللَّه وَمَا يقوم بِاللَّه لَا يكون مخلوقا
وَالْمَقْصُود هُنَا بَيَان بطلَان احتجاج النَّصَارَى وَأَنه لَيْسَ لَهُم فِي ظَاهر الْقُرْآن وَلَا بَاطِنه حجَّة كَمَا لَيْسَ لَهُم حجَّة فِي سَائِر كتب الله وَإِنَّمَا تمسكوا بآيَات متشابهات وَتركُوا الْمُحكم كَمَا أخبرا الله عَنْهُم بقوله ﴿هُوَ الَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مِنْهُ آيَات محكمات هن أم الْكتاب وَأخر متشابهات فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ فيتبعون مَا تشابه مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَة وابتغاء تَأْوِيله﴾ وَالْآيَة نزلت فِي النَّصَارَى فهم مرادون من الْآيَة قطعا ثمَّ قَالَ ﴿وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا﴾ وفيهَا قَولَانِ وقراءتان مِنْهُم من يقف عِنْد قَوْله إِلَّا الله وَيَقُول الراسخون فِي الْعلم لَا يعلمُونَ تَأْوِيل الْمُتَشَابه لَا يُعلمهُ إِلَّا الله
وَمِنْهُم من لَا يقف بل يصل بذلك قَوْله تَعَالَى ﴿والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا﴾ وَيَقُول الراسخون فِي الْعلم يعلمُونَ تَأْوِيل الْمُتَشَابه وكلا الْقَوْلَيْنِ مأثور عَن طَائِفَة من السّلف وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ قد يكون الْحَال من الْمَعْطُوف دون الْمَعْطُوف عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا﴾ أَي قائلين وكلا الْقَوْلَيْنِ حق بِاعْتِبَار فَإِن لفظ التَّأْوِيل يُرَاد بِهِ التَّفْسِير وَمَعْرِفَة مَعَانِيه
والراسخون فِي الْعلم يعلمُونَ تَفْسِير الْقُرْآن قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ لم ينزل الله آيَة إِلَّا وَهُوَ يحب أَن تعلم فِي مَاذَا نزلت وَمَا عني بهَا وَقد يَعْنِي بالتأويل مَا اسْتَأْثر الله بِعِلْمِهِ من كَيْفيَّة مَا أخبر بِهِ عَن نَفسه وَعَن الْيَوْم الآخر وَقت السَّاعَة ونزول عِيسَى وَنَحْو ذَلِك
1 / 329