وَقَالَ النَّبِي ﷺ يَقُول الله للجنة أَنْت رَحْمَتي أرْحم بك من أَشَاء من عبَادي وَيَقُول للنار أَنْت عَذَابي أعذب بك من أَشَاء من عبَادي وَقَالَ إِن الله خلق الرَّحْمَة يَوْم خلقهَا مئة رَحْمَة أنزل مِنْهَا رَحْمَة وَاحِدَة فِيهَا تتراحم الْخلق ويتعاطفون وَأمْسك عِنْده تِسْعَة وَتِسْعين رَحْمَة فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمع هَذِه الى تِلْكَ فرحم بهَا الْخلق وَيُقَال للمطر والآيات هَذِه قدرَة عَظِيمَة وَيُقَال غفر الله لَك علمه فِيك أَي معلومه فتسمية الْمَخْلُوق بِالْكَلِمَةِ كلمة من هَذَا الْبَاب
وَقد ذكر الإِمَام أَحْمد فِي كتاب الرَّد على الْجَهْمِية وَذكره غَيره أَن النَّصَارَى الحلولية والجهمية المعطلة اعْترضُوا على أهل السّنة فَقَالَت النَّصَارَى الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق والمسيح كلمة الله فَهُوَ غير مَخْلُوق وَقَالَت الْجَهْمِية الْمَسِيح كلمة الله وَهُوَ مَخْلُوق وَالْقُرْآن كَلَام الله فَيكون مخلوقا
وَأجَاب أَحْمد وَغَيره بِأَن الْمَسِيح نَفسه لَيْسَ هُوَ كلَاما فَإِن الْمَسِيح إِنْسَان وَبشر مَوْلُود من امْرَأَة وَكَلَام الله لَيْسَ بِإِنْسَان وَلَا بشر وَلَا مَوْلُود من امْرَأَة وَلَكِن الْمَسِيح خلق بالْكلَام وَأما الْقُرْآن فَهُوَ نَفسه كَلَام الله فَأَيْنَ هَذَا من هَذَا
وَقد قيل أَكثر اخْتِلَاف الْعُقَلَاء من جِهَة اشْتِرَاك الْأَسْمَاء وَمَا من عَاقل إِذا سمع قَوْله تَعَالَى فِي الْمَسِيح ﵇ إِنَّه كَلمته أَلْقَاهَا الى مَرْيَم إِلَّا يعلم أَن المُرَاد (لَا) أَن الْمَسِيح نَفسه كَلَام الله وَلَا أَنه صفة لله وَلَا خَالق ثمَّ يُقَال لِلنَّصَارَى فَلَو قدر أَن الْمَسِيح نفس الْكَلَام لَيْسَ بخالق فَإِن الْقُرْآن كَلَام الله وَلَيْسَ بخالق والتوراة كَلَام الله وَلَيْسَت بخالقة وكلمات الله كَثِيرَة وَلَيْسَ مِنْهَا شَيْء خَالق فَلَو كَانَ الْمَسِيح نفس الْكَلَام لم يجز أَن يكون خَالِقًا فَكيف وَلَيْسَ هُوَ الْكَلَام وَإِنَّمَا خلق بِالْكَلِمَةِ وَخص باسم الْكَلِمَة فَإِنَّهُ لم يخلق على الْوَجْه الْمُعْتَاد الَّذِي خلق عَلَيْهِ غَيره بل خرج عَن الْعَادة فخلق بِالْكَلِمَةِ من غير السّنة الْمَعْرُوفَة بالبشر
وَقَوله ﴿بِروح مِنْهُ﴾ لَا يُوجب أَن يكون مُنْفَصِلا من ذَات الله كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿وسخر لكم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ﴾
1 / 326