180

Minutos de Tafsir

دقائق التفسير

Investigador

د. محمد السيد الجليند

Editorial

مؤسسة علوم القرآن

Número de edición

الثانية

Año de publicación

١٤٠٤

Ubicación del editor

دمشق

ونكتة الْأَمر أَن الْعبْرَة بِالْحَقِيقَةِ الْمَقْصُودَة لَا بالوسائل الْمَطْلُوبَة لغَيْرهَا فَلَمَّا كَانَ مَقْصُود الرَّائِي أَن يرى الْوَجْه مثلا فَرَآهُ فِي الْمَرْأَة حصل مَقْصُوده وَقَالَ رَأَيْت الْوَجْه وَإِن كَانَ ذَلِك بِوَاسِطَة انعكاس الشعاع فِي الْمرْآة وَكَذَلِكَ من كَانَ مَقْصُوده أَن يسمع القَوْل الَّذِي قَالَه غَيره الَّذِي ألف أَلْفَاظه وَقصد مَعَانِيه فَإِذا سَمعه مِنْهُ أَو من غَيره حصل هَذَا الْمَقْصُود وَإِن كَانَ سَمَاعه من غَيره هُوَ بِوَاسِطَة صَوت ذَلِك الْغَيْر الَّذِي يتَخَلَّف باخْتلَاف الصائتين والقلوب إِنَّمَا تُشِير إِلَى الْمَقْصُود لَا إِلَى مَا ظهر بِهِ الْمَقْصُود كَمَا فِي الِاسْم والمسمى فَإِن الْقَائِل إِذا قَالَ جَاءَ زيد وَذهب عَمْرو وَلم يكن مَقْصُوده إِلَّا الْإِخْبَار بالمجيء عَن الْمُسَمّى وَلَكِن بِذكر الِاسْم أظهر ذَلِك
فَمن ظن أَن الْمَوْصُوف بالمجيء والإتيان هُوَ لفظ زيد أَو لفظ عَمْرو كَانَ مُبْطلًا فَكَذَلِك إِذا قَالَ الْقَائِل هَذَا كَلَام الله وَكَلَام الله غير مَخْلُوق فالمقصود هُنَا الْكَلَام نَفسه من حَيْثُ هُوَ هُوَ وَإِن كَانَ إِنَّمَا ظهر وَسمع بِوَاسِطَة حَرَكَة التَّالِي وصوته فَمن ظن أَن الْمشَار إِلَيْهِ هُوَ صَوت القارىء وحركته كَانَ مُبْطلًا وَلِهَذَا لما قَرَأَ أَبُو طَالب الْمَكِّيّ على الإِمَام أَحْمد ﵁ ﴿قل هُوَ الله أحد﴾ وَسَأَلَهُ هَل هَذَا كَلَام الله وَهل هُوَ مَخْلُوق فَأَجَابَهُ بِأَنَّهُ كَلَام الله وَأَنه غير مَخْلُوق فَنقل عَنهُ أَبُو طَابَ خطأ مِنْهُ أَنه قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غير مَخْلُوق فاستدعاه وَغَضب عَلَيْهِ وَقَالَ أَنا قلت لَك لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غير مَخْلُوق قَالَ لَا وَلَكِن قَرَأت عَلَيْك ﴿قل هُوَ الله أحد﴾ وَقلت لَك هَذَا غير مَخْلُوق فَقلت نعم قَالَ فَلم تحكي عني مَا لم أقل لَا تقل هَذَا فَإِن هَذَا لم يقلهُ عَالم وقصته مَشْهُورَة حَكَاهَا عبد الله وَصَالح وحنبل والمروذي وفوزان وبسطها الْخلال فِي كتاب السّنة وصنف الْمَرْوذِيّ فِي مَسْأَلَة اللَّفْظ مصنفا ذكر فِيهِ أَقْوَال الْأَئِمَّة
وَهَذَا الَّذِي ذكره الإِمَام أَحْمد من أحسن الْكَلَام وأدقه فَإِن الْإِشَارَة إِذا أطلقت انصرفت إِلَى الْمَقْصُود وَهُوَ كَلَام الله الَّذِي تكلم بِهِ لَا إِلَى مَا وصل بِهِ إِلَيْنَا من أَفعَال الْعباد وأصواتهم فَإِذا قيل لَفْظِي جعل نفس الوسائط غير مخلوقة وَهَذَا بَاطِل كَمَا أَن من رأى وَجها فِي مرْآة فَقَالَ أكْرم الله هَذَا الْوَجْه وحياه أَو قبحه كَانَ دعاؤه على الْوَجْه الْمَوْجُود فِي الْحَقِيقَة الَّذِي رأى بِوَاسِطَة الْمرْآة لَا على الشعاع المنعكس فِيهَا وَكَذَلِكَ إِذا رأى الْقَمَر فِي المَاء فَقَالَ قد أبدر أَو لم يبدر فَإِنَّمَا مَقْصُوده الْقَمَر الَّذِي فِي السَّمَاء لَا خياله وَكَذَلِكَ من سَمعه يذكر رجلا فَقَالَ هَذَا رجل صَالح أَو رجل فَاسق علم أَن الْمشَار إِلَيْهِ هُوَ الشَّخْص الْمُسَمّى بِالِاسْمِ لَا نفس

2 / 191