قال عبد الوهاب : ( فإن قيل : ما الدليل على جواز رؤيته في القرآن ؟ قيل له : قوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) . والنظر في كلام العرب إذا قرن بالوجه ، ولم يضف الوجه الذي قرن بذكره إلى قبيلة ولا عشيرة ، وعدى بحرف الجر ، ولم يعد إلى مفعولين ، فالمراد فيه النظر بالبصر ) .
الجواب :
أنه أغفل وجها آخر وهو الجسد كله ، لأن الوجه الذي هو أفضل الجسم خاطبوا به ، وإن أرادوا به البدن كله ، ولا يريدون به النظر ولا البصر ، كما يقول بعضهم : فعلت هذا لوجهك يريد به لك ، قال الله تعالى : ( وجوه يومئذ باسرة ) الآية يريد البدن كله ، وفعلت هذا لوجه الله يريد الله ، فلم يقصره على النظر ، جاء وجه القوم ، وهذا وجه الناس ، للرجل كله .
قال عبد الوهاب : ( فإن قيل : أفليس قد تمدح الله تعالى بقوله : ( لا تدركه الأبصار ) كما تمدح بقوله : ( بديع السموات ) فكيف يجوز أن تردوا عنه مدحته ؟
قيل له : إنما تمدح بقوله : ( وهو يدرك الأبصار ) ولم يمتدح باستحالة إدراكه الأبصار ، لأن الطعوم والروائح وأكثر الأعراض ، لا يجوز عندكم أن ترى بالأبصار ، وليست ممدوحة بذلك ) .
الجواب :
قيل له : إن الله لم يتمدح بقوله : ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) ، لأن الأعمدة والحيطان والنحل والشجر ولا تأخذها سنة ولا نوم ، كما لم يمتدح بقوله : ( لا تدركه الأبصار ) (2 ) .
قال عبد الوهاب : ( فإن قيل : قوله : ( لا تدركه الأبصار ) نفي عام كما قال تعالى : ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) ، فلا فرق بين الآيتين لاشتراكهما في عموم النفي .
قيل له : لا يصح الجمع بين الآيتين ولا بينهما مناسبة ، لأن الآية التي جاءت ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) . أجمع المسلمون قاطبة أنه لا يجوز على الله السنة ولا النوم ، لأنهما صفة نقص لا تجوز على الله سبحانه ، لأنه مستحيل ذلك عليه .
والرؤية مما اختلف فيه الناس ، لا يحتج بالإجماع في موضع الخلاف .
Página 76