بَطْنِي، فَالْتَمَسَا فِيهِ شَيْئًا لا أَدْرِي مَا هُوَ،
قَالَتْ: فَرَجَعْنَا بِهِ إِلَى خِيَامِنَا، وَقَالَ لِي أَبُوهُ:
يَا حَلِيمَةُ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْغُلامُ قَدْ أُصِيبَ، فَأَلْحِقِيهِ بِأَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ بِهِ، قَالَتْ: فَاحْتَمَلْنَاهُ، فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى أُمِّهِ، فَقَالَتْ: مَا أَقْدَمَكِ بِهِ يَا ظِئْرُ [١] . وَلَقَدْ كُنْتِ حَرِيصَةً عَلَيْهِ وَعَلَى مُكْثِهِ عِنْدَكِ، قُلْتُ: قَدْ بَلَغَ اللَّهُ بِابْنِي وَقَضَيْتُ الَّذِي عَلَيَّ، وَتَخَوَّفْتُ الأَحْدَاثَ عَلَيْهِ، فَأَدَّيْتُهُ عَلَيْكِ كَمَا تُحِبِّينَ، قَالَتْ: مَا هَذَا شَأْنُكِ، فَأَصْدِقِينِي خَبَرَكِ، قَالَتْ: فَلَمْ تَدَعْنِي حَتَّى أَخْبَرْتُهَا، قَالَتْ: أَفَتَخَوَّفْتِ عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ؟ قُلْتُ:
نَعَمْ، قَالَتْ: كَلا وَاللَّهِ، مَا لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وإن لبني لشأنا، أَفَلا أُخْبِرُكِ خَبَرَهُ؟
قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: رَأَيْتُ حِينَ حَمَلْتُ بِهِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَ لَهُ قُصُورُ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، ثم حملت به، فو الله مَا رَأَيْتُ مِنْ حَمْلٍ قَطُّ كَانَ أَخَفَّ مِنْهُ وَلا أَيْسَرَ مِنْهُ، وَوَقَعَ حِينَ وَلَدْتُهُ وَإِنَّهُ لِوَاضِعٌ يَدَيْهِ بِالأَرْضِ رَافِعٌ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، دَعِيهِ عَنْكِ وَانْطَلِقِي رَاشِدَةً.
قَالَ السُّهَيْلِيّ: وذكر غير ابن إسحق فِي حَدِيثِ الرَّضَاعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ لا يُقْبِلُ إِلَّا عَلَى ثَدْيِهَا الْوَاحِدِ، وَتَعْرِضُ عَلَيْهِ الآخَرَ فَيَأْبَاهُ، كَأَنَّهُ قَدْ أَشْعَرَ أَنَّ مَعَهُ شَرِيكًا فِي لِبَانِهَا، وَكَانَ مَفْطُورًا عَلَى الْعَدْلِ، مَجْبُولا عَلَى جَمِيلِ الْمُشَارَكَةِ وَالْفَضْلِ ﷺ.
وَيُرْوَى أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالُوا لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَخْبَرَنَا عَنْ نَفْسِكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ، وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَبَيْنَا أَنَا مَعَ أَخٍ لِي خَلْفَ بُيُوتِنَا نَرْعَى بُهْمًا لَنَا أَتَانِي رَجُلانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ ثَلْجًا، فَأَخَذَانِي فَشَقَّا بَطْنِي ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قلبي فسقاه، فَاسْتَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَةً سَوْدَاءَ فَطَرَحَاهَا، ثُمَّ غَسَلا قَلْبِي وَبَاطِنِي بِذَلِكَ الثَّلْجِ حَتَّى أَنْقَيَاهُ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: زِنْهُ بِعَشَرَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِعَشَرَةٍ فَوَزَنْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِمِائَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِأَلْفٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتُهُمْ، فقال: دعه عنك، فلو وزنته بأمته لَوَزَنَهَا. وَفِي رِوَايَةٍ:
فَاسْتَخْرَجَا مِنْهُ مَغْمَزَ الشَّيْطَانِ وَعَلَقَ الدَّم. وَفِيهَا: وَجَعَلَ الْخَاتَمَ بَيْنَ كَتِفَيَّ كما هو الآن.
_________
[(١)] الظئر: المرضعة لولد غيرها.
1 / 43