Uthman Ibn Affan: entre el califato y el reino
عثمان بن عفان: بين الخلافة والملك
Géneros
ونحن ولاة الثغر كنا حماته
ليالي. نرمي كل ثغر وننكل
أما البلاذري فيرد الخلاف إلى أن سلمان بلغ مكان الموقعة بجنده بعد أن فرغ أهل الشام من عدوهم. فطلب أهل الكوفة إليهم أن يشركوهم في الغنيمة فأبوا، فتغالظ حبيب وسلمان في القول وتوعد بعض أهل الشام سلمان بالقتل، فقال شاعر أهل الكوفة الأبيات التي سلف ذكرها. •••
استتب الأمر للمسلمين في فارس كما استتب لهم في إفريقية، فلم يلقوا إلى آخر خلافة عثمان محنة تذكر. وقد يحسب بعضهم هذا عجبا. فسنرى عما قريب حين نعرض بالحديث لحكومة عثمان واتجاهات الرأي في عهده وما نشأ عن هذه الاتجاهات من آثار انتهت إلى الثورة وإلى مقتل عثمان، أن دبيب الشقاق كان يدب في هذه الدولة الناشئة حتى لقد هدد كيانها بالخطر. فكيف مع ذلك أقام أهل فارس على الهوان، وكيف تقاعس الروم فلم ينتهزوا الفرصة، ولم ينهضوا للأخذ بثأرهم واسترداد ما ضاع من ملكهم؟!
ليس الجواب على هذا السؤال عسيرا، فقد بلغ النظام الاجتماعي والنظام السياسي في الفرس والروم مبلغا من الهرم والانحلال صرف الناس عن التحمس له والدفاع عنه؛ لذلك لم تكن تحرك فرق الجند حين ذهابها لقتال العرب فكرة تدافع عنها، أو رجاء تريد تحقيقه، أو مثل إنساني أعلى يسعد الناس به، بل كانت هذه الفرق تذهب طوعا لأمر السادة الحاكمين. وقل أن دفعت الطاعة للحاكم وحدها إلى تضحية وإن قلت، ما بالك والجندي يسير إلى ميدان القتال ليضحي بحياته؛ لهذا كان قواد الفرس وقواد الروم لا يضربون للجنود مثلا في الإقدام، وكان الجنود أنفسهم أشد ما يكونون اغتباطا ورضا من الغنيمة بالإياب.
أما المسلمون فكانوا لا يزالون مأخوذين بجلال الدين الجديد والدعوة السامية إلى الأخوة الإنسانية، مندفعين إلى مثل أعلى يريدون تحقيقه. صحيح أن دبيب الخلاف بدأ يدب بين بني هاشم وبين بني أمية منذ استخلف عثمان. لكنه كان يدب على استحياء، فلم يكن يبدو للناس منه أثر، ولم يكن يحركهم إلى الانتقاض. وصحيح كذلك أن العرب من مختلف القبائل كانوا ينقمون على قريش سيادتها عليهم وسلطانها فيهم، وكانوا يظهرون البرم بهذا السلطان بين حين وحين. لكن هذه المنافسة وهذا البرم كانا لا يزالان في المهد، يتحدث عنهما الأفراد ولا يصلان إلى تحريك الجماعات. ولم تكن هذه المنافسات لتبلغ بحال إلى حيث تطغي على إيمان العرب بالرسالة السامية التي ألقى القدر عليها نشرها في ربوع الأرض جميعا؛ لذا لم يكن من أثر التيارات الخفية التي كانت تمهد للثورة ولمقتل عثمان أن تقف سير الفتح أو تضعف ما دفعه الدين الجديد، والنظام الجديد إلى نفس المسلمين من قوة، وإن أمكن القول: بأن المسلمين كانوا قادرين لولاها على أن يذهبوا إلى أبعد مما ذهبوا، وأن يفتحوا أكثر مما فتحوا.
وهذا تفسير طبيعي؛ فقد قاوم العرب الدين الجديد مقاومة عنيفة، وتغلب على مقاومتهم لهذا الدين العرب الذين آمنوا به ورأوا فيه دعوة سامية إلى مبادئ بالغة غاية الرفعة. فلما واجهوا الفرس وواجهوا الروم وظفروا بهم زادهم الظفر بهذا الدين إيمانا، ولم يبق في نفوس الجماعات العربية ريب في أن الاستمساك به هو الذي أعزهم وأعلى كلمتهم وجعلهم سادة أولئك الذين كانوا إلى عهد قريب سادة العالم. مع ذلك لم تنتزع المبادئ السامية الجديدة من النفوس كل ما ورثت من ماضيها الطويل القديم، ولم تنتزع منها بخاصة ما اعتبره أصحاب هذا الماضي غير متناف مع هذه المبادئ. وهل تتنافى خصومة بني هاشم وبني أمية مع ما أوحى الله إلى رسوله. أو ليست قرابة بني هاشم إلى الرسول مؤيدة لهم في طلب الخلافة من بعده. أوليس ما نفاه الإسلام من تفاضل بين الناس إلا بالتقوى، وما أقره من أن الأمر شورى بين المسلمين مؤيدا لبني أمية وهم أكثر من بني هاشم نفرا وأعز منهم بين العرب مكانة. ولكن ما فضل بني أمية على سائر العرب وهؤلاء العرب هم الذين فتحوا، وغنموا وأقاموا بناء الإمبراطورية. وما فضل العرب على غيرهم من اليهود والنصارى الذين دخلوا في الإسلام. واليهود والنصارى أهل كتاب قبل إسلامهم، على حين كان العرب كفارا عبدة أوثان وأصنام؛ لا عجب إذن أن تتحرك هذه المعاني في النفوس في عهد عثمان. فالإيمان بالفكرة المجردة شيء، ومواجهة هذه الفكرة بواقع الحياة وتطبيقها على هذا الواقع شيء آخر.
على أن هذا التفكير لم يكن ليطغى على جلال الفكرة الإسلامية في عهد عثمان. فقد كان في النشأة الأولى لا يزال، ولم يكن ليمتد إلى الجماعات المندفعة بقوة الدين الجديد تفتح بلادا عدا الانحلال على كل ما فيها من عقائد ونظم؛ لذلك اطرد الفتح واستقر. مع ذلك أثمر هذا التفكير اتجاهات جديدة في حياة الإمبراطورية الناشئة، وكان له من الأثر ما انتهى إلى الثورة وإلى مقتل عثمان.
وقد كان لحكومة عثمان أثر في اطراد الفتح واستقراره. وكان لها أثر كذلك في تشجيع العوامل التي انتهت إلى مقتل الخليفة الشيخ. وسنرى هذا الأثر في الفصل التالي عن حكومة عثمان واتجاهات الرأي في عهده.
الفصل الرابع
Página desconocida