هذا دينه أبدا وهذا ديني إلى غير ذلك مما هو مجاز، وذلك أني أقول أن هذا حمل من غير ما توجيه، وقد أبزرنا ما ما يقويه وما يبطل هذا الحمل بخلاف ما رواه، فإن خلافه معلوم......يؤكده قول الله تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون} أخبر سبحانه أنه أوحى ولم يوحي إلى من لا [43] يفهم، وإلا كان غشا، وقد روينا أن أعرابيا سمع قارئا يقول: {وأوحى ربك إلى النحل}، فقال الأعرابي: ما كان الله ليوحي إلى الجماد، فعرف الأعرابي أن الله سبحانه يوحي إلى الحيوان ثم يقول أن الله تعالى قد أوضح ذلك ووصف الجماد بأنه ... الله عزوجل، فقال سبحانه: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون}، وقد روينا أنه ما من حجر يتردى من رأس جبل إلا من خشية الله، ولا ....قول من قال: أن هذا على طريق التمثيل؛ لأنه حمل على وجه بغير دليل لما ذكرناه، يؤكده قول الله عز وجل: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله} أخبر تعالى وهو أصدق المخبرين أنه سبحانه لو أنزل القرآن على جبل لرأيناه خاشعا متصدعا، وما كان سبحانه يخبر إلا بما هو ظاهر لنا وما كان يورد شيئا، والمراد خلافه، إذ ذلك يكون منه تعمية وتلبيسا، وهو يتعالى عن ذلك علوا كبيرا، ثم إنا نورد شيئا من الكلام الواقع من ما قيل عن غير المكلفين ولا هو من جنسهم ولننقل من ما صح نقله إلينا نقلا مسقيما، فمن ذلك: حديث الثعلب، وهو ما رويته من طريق سيدي ووالدي أمير المؤمنين قدس الله روحه وعليه السلام من أمالي السيد الناطق بالحق عليه السلام وإسناده في أماليه مسبوقا فأبلغ به إلى أبي ذر رحمه الله، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله فأتاه أعرابي على ناقة له، فنزل ودخل فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وآله أمامه، ثم قال: ((حدث الناس ما كان من أمر ثعلبك))، قال: يارسول الله أنا رجل من أهل نجران حيث أحطب من واد يقال له السيال، فبينا أنا في الوادي أحطب على راحلتي هذه ، إذا أنا بهاتف يهتف من جانب الوادي:
ياحامل الخرزة من سيال ... هل لك في أجر وفي نوال
وحسن شكر آخر الليالي ... أنقذك الله من الأغلال
ومن سعير النار والإنكال ... فامنن فدتك النفس بالأفضال
وخلني من هو الخيال
فالتفت فإذا ثعلب على شجرة.
فقال الثعلب:
ياحامل الخرزة للأيام ... عجبت من شأني ومن كلامي
اعجب من الساجد للأصنام ... مستقسم الكفر بالأزلام
هذا الذي بالبلد الحرام ... نبي صدق جاء بالإسلام
وبالهدى والدين والأحكام ... وبالصلاة الخمس والصيام
والبر والصلات للأرحام ... مهاجر في فيتة كرام
غير مغاريب ولا لئام
فذهبت لأجله، فإذا بهاتف يقول:
ياحامل الخرزة من جرر الحطب ... أما ترى وأنت شيخ منحدب
وفيك علم ووقار وأدب ... إن الذي يبني زورا وكذب
محمد أفسد ديوان العرب
فأنشأ الثعلب يقول:
إن الذي تسمعه يتعبني ... ملعون جن إنما ملعون
تدين في الله بغير دين ... يغويك بي عمد الكي ترديني
فامنن فدتك النفس بالتهوين ... على أخ مضطهد مسكين
إن لم تغثني علقت دهوني
قال: فأتيته فحللته، ومن ذلك كلام البعير، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله دخل حائطا فيه جمل لم يكن أحد يدخل الحائط إلا شد عليه، فلما دخل النبي صلى الله عليه وآله الحائط دعاه فأتاه فوضع مشفريه في الأرض وبرك بين يديه فقال النبي صلى الله عليه وآله: ((أنه شكى على كثرة العمل وقلة العلف)).
Página 94