الثاني: إن قالوا أن الحكيم إذا أمرنا بالاستمرار على الفعل فلو كان غرضة أن يفعل ذلك إلى وقت مخصوص ثم يكف عنه لوجب أن يبينه كما في تخصيص العام لئلا يكون خطابه تعالى واقعا على وجه التلبيس.
قلت الجواب: أنه لا يجب بيان الوقت الذي تزول فيه العبادة إذ لاوجه لوجوبه لا فيما يختص بالمكلفين إذ هم لا يحتاجون إلى بيانه في إذا ما كلفوه، ولا فيما يخص الخطاب الذي تضمن الأمر بالعبادة إذ لا تعلق له بوقت زوالها فوقت زوالها كسائر الأوقات التي من حقها أن تزول فيها كوقت الموت وغيره، فكما لا يجب ان يبين للمكلف وقت الموت فكذلك هذا.
الثالث: قالوا إن الله تعالى إذا أوجب علينا شيئا على سبيل الاستمرار فقد أوجبه .... أن نعتقد وجوبه مطلقا ويقوم على فعله أبدا، فلو نهى عنه لأداء ذلك إلى قبح الاعتقاد والعزم.
قلت: الأمر بمطلقه....... الفعل إلا مرة واحدة عند من يوجب ذلك، فليس يجب أن يعتقد أنه إذا أمرنا تعالى بأمر أنه على سبيل الاستمرار، فإن اعتقد بذلك لم يكن منه عز وجل، إذ لو أراد سبحانه منا أن نستمر على ما أمرنا بفعله لكان يكون ما بأحد وجوه.
أما ما بخبرنا صلى الله عليه وآله بذلك على وجه يعلمه ما اضطر إلى قصده كما اضطررنا إلى خبره صلى الله عليه وآله أنه لا نبي بعده.
وأما ما يخبرنا الله تعالى أو الرسول صلى الله عليه وآله أن مصالح مكلفي أمتك لا تتغير فيما كلفت إلى آخر التكليف، وإما أن ينقطع الوحي ولما يقع لنسخ فإنه يعلم انقطاعه مع قيام الدلالة على أن الشريعة ثابتة على وجه لا يعترضها النسخ ولهم شبه تطول وهي ظاهرة إذا تقرر ذلك.
رجعنا إلى ذكر المذهب في النسخ ومذهبنا جواز النسخ ووقوعه.
وأما الدليل على جواز ذلك فأقول: الدليل على ذلك أن الشرئع مصالح والمصالح يجوز اختلافها بحسب اختلاف الأمكنة والأزمنة وأعيان الملكلفين، وإذا جاز اختلافها جاز ورود النسخ عليها.
Página 48